فضل جهاد النفس هدفه هو نجاة المسلم بنفسه من النار والدخول في الجنة فهذه غاية كل مسلم في الحياة الدنيا، فيقول الله تبارك وتعالى “فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ۗ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ” (آل عمران 185وأن أول الطريق للوصول الى هذه الغاية هو مجاهدة النفس لحثها على بلوغ الطاعات وترك المنكرات، ولهذا كان لموضوع مجاهدة النفس هذه الأهمية الكبرى، وسنوضح هذا لكم عبر موقع سوبر بابا.

فضل جهاد النفس

من أعلى المقامات للعبد عند ربه سبحانه أن يجاهد نفسه في مخالفة أهوائها، ووعد الله عبده الذين يجاهدون أنفسهم بأنه سيتولى بنفسه إرشادهم وهدايتهم لأفضل وأيسر طريق.

فقال سبحانه “وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ” (العنكبوت:69)، في الحديث الشريف يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مطلقًا لفظ المجاهد وهو يحمل الكثير من المعاني العظيمة؛ لأنه أعلى درجات الإسلام وذروة سنامه فقال: “المجاهد من جاهد نفسه”، ولذلك فمقام المجتهد لنفسه من أعظم المقامات وأكثرها قربًا عند الله.

اقرأ أيضًا: فضل صلة الرحم وعقوبة قاطعها

مكانة جهاد النفس

لجهاد النفس مكانة عظيمة عند المؤمن، فالله عز وجل يقول وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى” (النازعات:40(، فمنع النفس عن الهوى يكون بمجاهدتها ومنعها من الوقوع في الشبهات والشهوات على السواء.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما ينقل عنه تلميذه ابن القيم رحمه الله في كتابه مدارج السالكين: (سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين)، فالصبر واليقين لمجاهدة النفس على الشهوات مستفيدًا من قول الله تبارك وتعالى عز وجل “وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ“(السجدة: 24).

حقيقة النفس في وجهة النظر الإسلامية

لا شك أن هذه حرب مستمرة مع نفسه حتى تستقيم؛ لأنها لا تلين لها القياد ولا تذعن لأوامره فهي تكره القيود، فكل إنسان يحب أن يتصرف وفقًا لهواه ولا يقيد نفسه بقيود ولكن الحقيقة الجنة حفت بالفعل بهذه القيود التي أخبرنا عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم: “حُفَّتِ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ، وَحُفَّتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ” صحيح بن حبان.

اقرأ أيضًا: الرجوع إلى الكفر بعد الإسلام وعقوبتها

أنواع النفوس عند الله

النفوس في القرآن الكريم ثلاثة أنواع، فالقلب السليم يمتلك نفسًا راضية والقلب المريض يمتلك نفسًا لوامة والقلب الميت يمتلك نفسًا أمارة بالسوء، والثلاثة أنواع مذكورين في القرآن الكريم.

1- النفس الأمارة بالسوء

هي النفس التي لا تحرض صاحبها على خير ولا تنهاه عن شر، وهي التي لا تعرف معروفًا ولا تنكر منكرًا، مغموسة في الضلال والهوان لا ترتقي ولا تحب أن ترقي نفسها وتغوي بصاحبها في كل طريق لا يصل به إلى خير، فإن مات صاحبها بها أدت به الى النار وبئس المصير، وجاء ذكرها في القرآن فقال الله عز وجل: وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي ۚ إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي ۚ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ (53) سورة يوسف.

2- النفس اللوامة

هي التي تخلصت من كونها نفسًا أمارة بالسوء، وأصبحت تحرض صاحبها على الخير وتلومه على تقصيره، بينما صاحبها لا يلتزم بالخير على الدوام فيقع تارة فتلومه على تركه للخير.

تقع أحيانًا وتُحسن أحيانًا أخرى، وقد أقسم الله بها في القرآن الكريم فقال: “وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ سورة القيامة: 2.

3- النفس المطمئنة

هي أرقى النفوس وأعلاها مقامًا، وثمرة مجاهدة النفس لسنين طويلة وإليها يطمح كل مؤمن لتكون أسعد أوقاته وأسعد نداء يسمعه يوم تأتيه الملائكة وتناديه:” يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي “. سورة الفجر: 28

فصاحبها له قلبٌ مطمئن بالله، راض عنه قريب منه، ولا يمكن أن يصل إلى هذه المكانة إلا بذكر الله الذي يورث نفسه الطمأنينة والقبول والرضا فالله عز وجل يقول: “الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ الله أَلَا بِذِكْرِ الله تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ“.

أقوال الصالحين في فضل جهاد النفس

للعلماء الصالحين تجارب كثيرة، ولهم أقوال في فضل جهاد النفس، فكانوا مثلنا أو أقل منّا في الالتزام، وكان منهم المسرفون على أنفسهم لكنهم جاهدوا أنفسهم وخاضوا الحروب في ترويضها حتى لانت واستقامت وسارت في طريق الله.

  • الإمام سفيان الثوري سد التابعين رحمه الله: “ما عالجت شيئا أشد عليّ من نفسي، مرَّةً لي ومرة علي“.
  • سئل الإمام الحسن بن علي رضي الله عنهما عن النفس فقال: “ما الدابة الجموح بأحوج إلى اللجام من نفسك”.
  • نُقل عن الإمام يحيّ بن معاذ الرازي: “أعداء الإنسان ثلاثة: دنياه، وشيطانه، ونفسه، فاحترس من الدنيا بالزهد فيها، ومن الشيطان بمخالفته، ومن النفس بترك الشهوات”.
  • مالك بن دينار رحمه الله وهو يطوف الأسواق كانت نفسه تشتهي بعض الأشياء، فكان يمنع نفسه عنها ويخاطبها قائلًا: “اصبري؛ فوالله ما أمنعك إلا من كرامتك عليَّ”.

اقرأ أيضًا: السماحة في الإسلام

بشارة النبي في فضل جهاد النفس

لكل من جاهد نفسه بشّره النبي صلى الله عليه وسلم بقوله الذي رويّ أبي هريرة رضي اللَّه عنه أن النبي -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم- قال:

(إنَّ اللَّهَ قالَ: مَن عادَى لي وَلِيًّا فقَدْ آذَنْتُهُ بالحَرْبِ، وما تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بشَيءٍ أحَبَّ إلَيَّ ممَّا افْتَرَضْتُ عليه، وما يَزالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بالنَّوافِلِ حتَّى أُحِبَّهُ، فإذا أحْبَبْتُهُ، كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذي يَسْمَعُ به، وبَصَرَهُ الَّذي يُبْصِرُ به، ويَدَهُ الَّتي يَبْطِشُ بها، ورِجْلَهُ الَّتي يَمْشِي بها، وإنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، ولَئِنِ اسْتَعاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وما تَرَدَّدْتُ عن شَيءٍ أنا فاعِلُهُ تَرَدُّدِي عن نَفْسِ المُؤْمِنِ؛ يَكْرَهُ المَوْتَ، وأنا أكْرَهُ مَساءَتَهُ) رواه أبو هريرة.

قال صلى الله عليه وسلم أيضًا أنه لا يزال في سلم رُقِيّه إلى الله تبارك وتعالى منذ اللحظة الأولى، وذلك في فضل جهاد النفس فقال ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم.

(يقولُ اللَّهُ تَعالَى: أنا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بي، وأنا معهُ إذا ذَكَرَنِي، فإنْ ذَكَرَنِي في نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ في نَفْسِي، وإنْ ذَكَرَنِي في مَلَأ ذَكَرْتُهُ في مَلَأ خَيْرٍ منهمْ، وإنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ بشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إلَيْهِ ذِراعًا، وإنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ ذِراعًا تَقَرَّبْتُ إلَيْهِ باعًا، وإنْ أتانِي يَمْشِي أتَيْتُهُ هَرْوَلَةً).

كان النبي -وهو الذي غُفر الله له ما تقدم ما تأخر من ذنبه- يعمل الطاعات ويُقيم من الليل حتى تتفطر قدماه فتسأله زوجته السيدة عائشة رضي الله عنها فتقول له: “لِمْ تصنعُ هذا يا رسولَ اللَّهِ وقدْ غفَرَ اللَّه لَكَ مَا تقدَّمَ مِنْ ذَنبِكَ وما تأخَّرَ؟ قال: أَفَلاَ أُحِبُّ أَنْ أكُونَ عبْداً شكُوراً؟” رواه البخاري.

فجاهد نفسك أيها المسلم حتى تصل إلى القلب السليم الذي قال الله فيه: “يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍفهذا القلب السليم يصل بك إلى النفس المطمئنة التي هي ثمرة يقينية لجهاد النفس بإذن الله.

قد قيل إن النفس عدو لدود، ولكنّ الله أكرمها وجعل لها كنزًا دفينًا ومن كره نفسه أطاعها وأوردها بعد ذلك المهالك.