المنهج الإسلامي في علاج مشكلة غلاء الأسعار يتمحور حول عدة عوامل يجب على كل مؤمن أن يتحلى بها، ويفهم حكمة الله في مثل هذه الابتلاءات، وكيفية الصبر والاحتساب عند الله، ومن خلال موقع سوبر بابا نتناول الحلول الإسلامية لغلاء الأسعار.

المنهج الإسلامي في علاج مشكلة غلاء الأسعار

تعتبر مشكلة الغلاء والأزمات الاقتصادية ظاهرة عالمية في الآونة الأخيرة، وذلك نتيجة الصراعات الاقتصادية والتي تحولت إلى عسكرية بين بعض الجبهات مؤخرًا ولا يقتصر هذا التضخم والغلاء على المسلمين فقط، لكن المسلم الحق يختلف عن غيره باللجوء إلى أسس الدين الإسلامي الحنيف وشرائعه لمواجهة جميع أمور الحياة.

اقرأ أيضًا: عوامل استقرار الأسرة في الإسلام

1- الصبر الجميل

لكي ننتهج المنهج الإسلامي في علاج مشكلة غلاء الأسعار يجب أن نعرف أن كل ما يصيب المؤمن فيه خير من الله عز وجل كما علمنا نبينا الحبيب حين قال: (عَجَباً لأمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلاَّ للْمُؤْمِن: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خيْراً لَهُ) رواه مسلم.

  • الصبر الجميل هو الذي لا تتبعه الشكوى والتأفف بل يصحبه الرضا الكامل بقضاء الله والشكر على القليل والحمد على النعم التي لا تحصى.
  • كما علمنا الله عز وجل فضل الجمع بين الصبر والتقوى (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُور) وقيمة المؤمن الذي يفعل ذلك؛ لأنها تصعب على الكثير من الناس.
  • جزاء الصبر كبير عند الله في الدنيا والآخرة، كما أخبرنا الله تعالى في محكم آياته (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) كما قال تعالى في صفات المؤمنين الصالحين (الّذِينَ إذا أصَابَتَهُم مُصِيَبَةٌ قَالُوا إنّا للهِ وَإنّا إلَيهِ راجِعُونَ).
  • فضل الصبر كبير في الإسلام، حيث إنه من العوامل الرئيسية التي نشرت هذا الدين حيث وصل إلينا، ورسولنا الحبيب كان صبورًا على ما يلاقيه من المشركين حتى يتبين الحق ويرفع الله البلاء.
  • لكي نتعلم الصبر يجب أن نكون على يقين أن هذه الحياة الدنيا ما هي إلا لهو ولعب، وأن الابتلاءات التي نتعرض لها هي الهدف من هذه الحياة في الأساس فلا يجب أن تستنكرها حيث قال تعالى (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا).

2- الاستغناء والاستكفاء

لكي يتمكن الرجل المسلم من تحقيق المنهج الإسلامي في علاج مشكلة غلاء الأسعار عليه التوكل على الله وإخلاص النية لله في الصبر، كما يجب أن يبدأ المؤمن في الأخذ بالأسباب واتخاذ بعض القرارات التي تخفف من تأثير الغلاء عليه وعلى أهل بيته.

  • تسجيل جميع المشتريات الشهرية بأسعارها، وتحديد أهمية كل منها وإمكانية الاستغناء عنها، فالإسلام دين النظام والعلم، ولا يعتبر الجهل بالأمور العلمية وتبني العشوائية مصدرًا للبركة كما يدعي البعض.
  • تقليل الإنفاق على السلع الترفيهية والتكميلية، فقد كان رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام زاهدًا في الدنيا لا يحب الإسراف، كما يجب تحديد الأولويات في البيت والاتفاق مع الزوجة عليها.
  • عدم إعطاء الأولاد كل ما يريدونه، لأن هذا الأسلوب خاطئ في التربية ويسبب صعوبات كثيرة عندما يكبر الطفل ويصطدم بقسوة الحياة، وكما علمنا قال أمير المؤمنين رضي الله عنه عمر بن الخطاب حيث قال (اخشوشنوا فإن النعم لا تدوم).
  • عدم تقليد المجتمع فيما يشتري لأن هذا من أهم أسباب زيادة الفقر والبلاء ويجب الشراء حسب الحاجة وعد اتباع التيار دون وعي.
  • قد نهى النبي عن اتباع المجتمع دون وعي في حديثه الشريف (لا يكُنْ أحَدُكمْ إمَّعَة، يقول: أنا مع الناس، إن أحْسنَ الناسُ أحسنتُ، وإن أساؤوا أسأتُ، ولكن وَطِّنُوا أنفسكم إن أحسنَ الناسُ أن تُحْسِنُوا، وإن أساؤوا أن لا تَظلِمُوا)

3- الاجتهاد في أسباب الرزق

لا يجب أن يغفل المؤمن أهمية الأخذ بالأسباب في زيادة الدخل والعمل الدؤوب لتغطية احتياجاته واحتياجات أسرته، كما حثنا ديننا الحنيف وكما قال الله تعالى (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون) كما أن العمل من سمة الأنبياء والصالحين.

  • يجب على المؤمن أن يعلم أن هناك فرق بين التوكل والتواكل، التوكل على الله حق توكله يستتبع عملًا جادًا للوصول إلى الأهداف المنشودة.
  • على المؤمن أن يكون مواكبًا للتطور في سوق العمل وعلى دراية بالتغير الذي طرأ مؤخرًا على الحياة الوظيفية، ومُلمًا بالحد الأدنى من التقنية الحديثة ليتمكن من تطوير ذاته وزيادة دخله.
  • لا يصح أن يخجل المسلم من أي مهنة شريفة ولا يقيد نفسه بمجال دراسته أو درجته العلمية؛ لأن ضيق الأفق من أسباب ضيق الرزق.
  • العمل الشاق لساعات طويلة أفضل بكثير من الحاجة والمديونية، فتعب الجسد يذهب سريعًا أما تعب النفس والشعور بالعجز فيصعب التخلص منه.

4- الدعاء بسعة الرزق

عندما ينزل علينا البلاء نكون بين خيارين إما أن نتبنى المنهج الإسلامي في علاج مشكلة غلاء الأسعار؛ لكي نكون عبادًا صالحين نستخدم هذا الابتلاء لنرفع من درجاتنا ونحط من خطايانا، أو أن نسقط في بئر السخط واليأس والعياذ بالله، وعلى المؤمن أن يدعوا الله أن يرفع الغلاء والبلاء في كل وقت ولا يكتفي بحلول الدنيا.

  • الدعاء هو سلاح المؤمن وحصنه في مواجهة صعوبات الحياة عامةً، كما أن فيه تقرب إلى الله وأجر عظيم في الآخرة.
  • الدعاء بسورة الواقعة كما علمنا نبينا الحبيب كما ورد في حديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قرأ سورة الواقعة في كل ليلة لم تصبه فاقة أبداً).
  • الدعاء والذكر ينزل السكينة على قلب المؤمن ويخرجه من قلقه، كما قال الله تعالى (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُكما أن استحضار القلب واليقين في طلب الحاجة يساهم في قرب الاستجابة بإذن الله.
  • نبدأ بالثناء على الله والصلاة والسلام على رسول الله ثم نقول بصدق (اللهم إن كان رزقي في السّماء فأنزله، وإن كان في الأرض فأخرجه، وإن كان بعيدًا فقرّبه وإن كان قريبًا فيسّره، وإن كان قليلًا فكثّره، وإن كان كثيرًا فبارك لي فيه).

5- اليقين بأن الرزق بيد الله

المنهج الإسلامي في علاج مشكلة غلاء الأسعار يستوجب بالضرورة التوكل على الله والسعي في طلب الرزق، مع اليقين التام أن الرزق بيد الله دون غيره وأن مصادر الدخل المختلفة ما هي إلا وسيلة لتنفيذ إرادة الله وحده.

  • اليقين بأن الله هو الرزاق العليم لا أحد غيره يعطي أو يمنع كما قال تعالى: (هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً، فامشوا في مناكبها، وكلوا من رزقه وإليه النشور).
  • كما أن الرزق مكتوب مُسبقًا ما من أحد يستطيع تغييره حيث قال تعالى: (وفي السماء رزقكم وما توعدون فوربِّ السماء والأرض إِنَّه لحقٌّ مثلما أنكم تنطقون).
  • الرزق مُعلق باليقين والتوكل على الله كما قال نبينا (لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصاً وتروح بطاناً) رواه الترمذي.
  • من مظاهر اليقين بالله في المنهج الإسلامي في علاج مشكلة غلاء الأسعار إخراج الصدقات، حيث تزيل الكرب وتوسع الرزق وتحمي من الحاجة إلى الناس وكما قال رسول الله (مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ للَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ).
  • التقوى يعالج المشكلة من جذورها ويتسبب في رفع البلاء ونزول البركات كما جاء في الآية الكريمة (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ).

اقرأ أيضًا: معلومات عن الوقف الخيري وانواعه المتعددة في الإسلام

أسباب غلاء الأسعار في الإسلام

هناك عدة أسباب جاءت في القرآن والسنة علينا الانتباه لها لمعرفة علاج مشكلة غلاء الأسعار في المنهج الإسلامي، ولا يشترط أن تكون هذه الأسباب دنيوية فقط بل هناك أسباب قدرية وضعها الله لحكمة لا يعلمها إلا هو.

1- التمادي في الذنوب والمعاصي

تعتبر مشكلة الغلاء من المشكلات التي تؤرق العديد من المجتمعات الإسلامية، ولا تقتصر هذه المشكلة على عصرنا الحالي فقط بل تمتد عبر عصور التاريخ، ويعتبر غلاء الأسعار مما عم به البلاء، وما يقع في البشر نتيجة ذنوبهم، وكما قال الله تعالى (وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ).

  • يجب على المسلم أن ينظر إلى مشكلة الغلاء في ضوء المنهج الإسلامي، من حيث الأسباب والحلول؛ لأن تفاقم المشاكل الاقتصادية له العديد من الآثار السلبية على الفرد والاسرة وبالتالي المجتمع.
  • فيجب أن نعلم أن الإعراض عن أوامر الله وتعاليم الرسول تؤدي بنا إلى المصائب والأزمات حيث قال تعالى: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾ فهذا الابتلاء نوع من أنواع التذكير والتحذير.
  • كما أن اتباع مبادئ الشريعة والالتزام بالأوامر والنواهي يقي المسلم من الفقر والشقاء كما أخبرنا الله عز وجل حين قال (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى).
  • نسيان الذكر والدعاء وقراءة القرآن يتسبب في الضيق والحاجة والفقر المدقع، كما جاء في محكم آيات الله في قوله تعالى (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا).

2- الفساد في المعاملات المالية

لم يخلو المنهج الإسلامي في علاج مشكلة غلاء الأسعار من المعاملات المادية الصحية التي يجب على المسلمين اتباعها، والمعاملات الفاسدة التي يجب علينا أن نتجنبها لنفوز في الدنيا والآخرة.

  • من أسباب البلاء والغلاء البعد عن التعاملات المادية الشرعية وانتشار المعاملات الربوية، والتعاملات التي تعتمد على المقامرة والسلوكيات المصرفية المنافية للشريعة الإسلامية.
  • انتشار بيع المحرمات بحجة لقمة العيش من الأسباب التي تجعلنا نقع في الابتلاء والغلاء والأمراض والجهل ثم نتساءل عن الأسباب.
  • انتشار الرشوة والغش بين الناس والمطففين في الميزان من عوامل تفشي الفقر وانتشار الكراهية بين الناس.
  • جشع التجار واستغلالهم الفرص والتلاعب بحاجة الناس من أهم الأسباب التي تؤدي بالضرورة إلى تفشي الفقر ونزول البلاء بما عملت أيدي الناس.

اقرأ أيضًا: معلومات عن الدين الإسلامي

3- منع الزكاة والصدقات

  • البخل في الإنفاق في سبيل الله وعدم إخراج الزكاة يتسبب بالضرورة في نزول الابتلاء المادي؛ لأن الهيكل الاقتصادي الذي وضعه الإسلام بمثابة منظومة شاملة متكاملة لا يجب إغفال أحد أركانها.
  • إنفاق الأموال في غير موضعها والإسراف في شراء السلع الترفيهية مثل السيارات الفارهة والمنازل السياحية باهظة الثمن والمأكولات غير النافعة في حين موت بعض المسلمين جوعًا من العوامل المؤثرة في نزول البلاء.
  • الأنانية وعدم الاهتمام بأمر المسلمين يزيد من حاجتهم وفقرهم، والانشغال بالمتع الدنيوية عن إنشاء المشروعات القومية وتشغيل الشباب يتسبب بالضرورة في زيادة البطالة وانتشار الجريمة.
  • إذا تصدق أغنياء المسلمين بالقليل من أموالهم لإنشاء المشروعات، لإتاحة فرص عمل لشباب الأم سوف يزدهر الاقتصاد الإسلامي ويقل الاستيراد من الخارج بالعملات الغالية، ويكون هذا سببًا في حل مشكلة غلاء الأسعار بطريقة إسلامية بإذن الله.

إذا لم يتم علاج ظاهرة غلاء الأسعار من خلال المنهج الإسلامي تتسبب في العديد من المضاعفات مثل التسول والمرض والجهل وانتشار الجريمة وانشغال الناس عن أمور دينهم بالدنيا.