الفرق بين العفو والصفح في الإسلام يُعد في ظاهره بسيط لكنه فرق بليغ، حيث أوصى الدين الإسلامي بعدة تعالم لاسيما يجب التحلي بها وممارستها، ومن ضمنها مكارم الأخلاق التي أوصى نبي الله الكريم العباد بها، ومنها العفو والصفح؛ لذا يأتي موقع سوبر بابا ببيان الفارق بين العفو والصفح.

الفرق بين العفو والصفح في الإسلام

يقع العفو تحت عباءة الغفران والتسامح، جميعها قيم تبث السلام للأنفس والهدوء للقلوب، لفظان جليلان هما العفو والصفح فقد أخص الله بهم ذاته الإلهية وأنعم بها على البشر ذو القلب الرقيق.

فالعفو هو إسقاط الذنب وغفرانه ولكن مع القدرة على العقاب، أما الصفح هو إسقاط الذنب ونسيانه ونسيان ما تبقي من أثره فلا يذكر العقاب، لذلك فالصفح أقوى من العفو، حيث قال البيضاوي: “ العفو ترك عقوبة المذنب، والصفح هو ترك لومه.”

فالمعاني الدقيقة يلزمها تفسير واضح لبيان الفرق بين العفو والصفح في الإسلام والدراية بهم جيدًا.

اقرأ أيضًا: معلومات عن الفرق بين المسلم والمؤمن

أولًا: العفو في الإسلام

للعفو تعريفات عدة أهمها أنه مصدر (عفا، يعفو، عفواً)، وهو العفو هو التجاوز عما قام المذنب مع غفرانه ولكن مع القدرة على معاقبته جراء الذنب، وأصله الطمس والمحو، والعفو هو من أسماء الله الحسنى أي الذي يمحو الذنوب جميعها.

قال فيه الخليل: “وكلُّ مَن استحقَّ عُقوبةً فتركْتَه فقد عفوتَ عنه. وقد يكون أن يعفُوَ الإنسان عن الشَّيء بمعنى الترك، ولا يكون ذلك عن استحقاق

العفو صفة من صفات الله عز وجل وقد وصف بها نفسه بالعفو لتجاوزه عن ذنوب عباده ولكن مع قدرته على عقابهم.. فقال تعالى: “وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (25) ” ويتبين هاهنا أن العفو قيمة إنسانية عظيمة فكيف إذا الصفح؟ حيث يجدر بالذكر أن العفو يجل أن يشمل عدة معايير.

  • ترك الانتقام والعدول عنه ونسيان الذنب.
  • عدم الإسهاب في ذكر الذنب ولكن بقاء أثره في النفس.
  • إسقاط اللوم والعتب مع بقائه بداخل القلب.

ثانيًا: الصفح في الإسلام

الصفح هو مصدر الفعل (صَفَحَ) فالرجل يصفح وصفح عنه صفحًا أي أعرض عن ذنبه بلا وجود لأثار تستلزم عقاب، كأن شيئًا لم يكن، أي ترك التأنيب والأذى وإزالة أثر الذنب والندب من النفس.

قال تعالى: “فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ“، والصفح الجميل هو المسامحة والغفران تاركاً للأذى متغاضيًا عن أي نية للتسبب به، والصفح إما في محله لمن يستحقه أو لمن لا يستحق، كالظالم بدون وجع حق ويصبح حينها صفح غير جميل، ويجب أن يشمل الصفح عدة أمور.

  • ترك الانتقام والعدول عن الأذى -وهذا من العفو- مع ترك اللوم وعتاب المذنب
  • محو أثر الذنب من النفس ونسيانه.
  • إسقاط اللوم باطنًا قبل ظاهرًا.

كما تبين الفرق بين العفو والصفح في الإسلام في الجانب اللغوي أو في المعنى الذي جاء به المولى تعالى في القرآن الكريم.

العفو والصفح في القرآن

أتى القرآن بآيات ترغب وتقدر قيمة العفو والصفح لتعزيز قيمته وأثره في النفس، حيث قال تعالى: “وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ”.

جاءت الآية بعد حادثة الإفك، يخبر بها الناس ويعلمهم أن العفو والصفح أصل وأساس لتعايشهم مع بعضهم البعض وتقبلهم أخطاء وذنوب غيرهم، كما يريد كل مسلم مؤمن أن يغفر الله له ويعفو ويصفح عن خطأه وزلاته.. فقال تعالى: “فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ

كما جاء في قوله تعالى: “وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ

جاءت الآيات لتعظيم ثواب العفو وأجره عند الله، كما أوضحت أن عدم العفو قد يوقع البعض في ظلم المبالغة في أخذ الحقوق، والله لا يحب أن يظلم عباده بعضًا.. فالعفو والصفح أمان من غضب الله والوقوع في الظلم بل هو مقرب للجنان.

قال تعالى: “وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا

فيها يخبر الله المؤمنين أن يطمسوا ويزيلوا آثار الذنوب من قلوبهم وأن يعفوا لا فقط ظاهرًا بل قلبًا وروحًا بدون عتاب أو لوم أو غاية للأذى.

اقرأ أيضًا: الفرق بين الأشاعرة والماتريدية

العفو والصفح في السنة

أكد رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهمية ووجوب العفو بين الناس حتى تسود الرحمة والود بين الناس.. فقال رسول الله: “ما نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِن مالٍ، وما زادَ اللَّهُ عَبْدًا بعَفْوٍ، إلَّا عِزًّا، وما تَواضَعَ أحَدٌ لِلَّهِ إلَّا رَفَعَهُ اللَّه“.

هنا يوضح الحديث أثر العفو والصفح البالغين في الآخرة، فهما سبيل للرفعة والسمو؛ مما يثقل ميزان الإنسان في الآخرة ويكون مثواه جنات تجري من تحتها الأنهار.

قال رسول الله: “ما أتِىَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم في شيءٍ فيه قصاصٌ، إلا أمرَ فيه بالعفوِ“، أما هنا فيه تعظيم لجلال قيمة العفو درجة التغاضي عن القصاص وهو حد من الحدود.

لكن العفو هنا يكن بحدود الدية فهنا لا عفو عن الدم لأنه حق من حقوق العباد العظيم الذي حرمه الله، بل العفو عن القتل وإحلال الدية بدلًا من القصاص.

بالرغم من التشديد على أهمية وأثر الصفح والعفو في الإسلام وضع شرطًا هامًا لصلاح العفو والصفح، وهو الحفاظ على هيبة المسلم وسلامة قلبه أهو حقًا عافِ صافح أم هو مُجبر مذلول مهان؟

كما اشترط الدين أن يكون العفو والصفح مقصده الأساس ونيته الصافية هي نيل الأجر من الله، قال رسول الله: “يَا أَبَا بَكْرٍ ثَلَاثٌ كُلُّهُنَّ حَقٌّ: مَا مِنْ عَبْدٍ ظُلِمَ بِمَظْلَمَةٍ فَيُغْضِي عَنْهَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا أَعَزَّ اللهُ بِهَا نَصْرَهُ، وَمَا فَتَحَ رَجُلٌ بَابَ عَطِيَّةٍ يُرِيدُ بِهَا صِلَةً إِلَّا زَادَهُ اللهُ بِهَا كَثْرَةً، وَمَا فَتَحَ رَجُلٌ بَابَ مَسْأَلَةٍ يُرِيدُ بِهَا كَثْرَةً إِلَّا زَادَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا قِلَّةً“.

أقوال مأثورة عن العفو والصفح

العفو والصفح من شيم الكرام والنبلاء؛ لذلك تحدث عنه علية الأقوام ورجال الشرف، وقد ذكروه بعد تبينهم للفرق بين العفو والصفح في الإسلام.

  • قال معاوية بن أبي سفيان: “عليكم بالحلم والاحتمال حتى تمكنكم الفرصة، فإذا أمكنتكم فعليكم بالصفح والإفضال
  • قال سعيد بن المسيب: “ما من شيء إلا والله يحب أن يعفى عنه، ما لم يكن حدًّا“.
  • قال أبو الدرداء: “أفضل أخلاق المؤمن العفو

اقرأ أيضًا: الفرق بين الإيمان والإسلام باختصار

آثار العفو والصفح

لكل ما تبين في الفرق بين العفو والصفح في الإسلام، إلا أن الفعلين يتركان أثر طيب على النفس خاصًة ما يتمثل في تهذيب النفس وتعليمها الخير والصفاء.

  • إسقاط العداوة والبغض من المجتمع والحد منهم بشكل ملحوظ مساهمًا باستقرار المجتمع وأفراده.
  • مغفرة الذنوب وإزالتها عن كاهل المؤمن المتسامح الغافر لأخيه ذلته.
  • نيل العزة والشرف فمن يعفو ويصفح يكرمه ويعززه الله.
  • هدوء القلب والنفس فالنفس الخالية من الحقد هي نفس هادئة.
  • نيل التقوى والورع وحفظ الود بين الناس قال تعالى: “وَأَن تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۚ وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ”.
  • الرحمة وتقبل المسيء مما يجعل الناس غير قانطين يئسين من رحمة الله.

العفو والصفح من أعظم القيم الإسلامية فأبدع الله ببلاغته في التفضيل بين العافي ظاهرًا تارك العاقب بإرادته وبين الصافح الناسي السوء من أصله ولا يميز أحدهم سوى مقلب القلوب.