الصدمات النفسية في الصغر لا تُمحي فتظل عالقة في قلب وعقل الإنسان مهما بلغ به العمُر، فكثيرًا ما يظُن الآباء أن الطفولة هي مرحلة عابرة خالية من الهموم والاحتياجات ولا ترتبط بحياة الإنسان المُستقبلية، مُتجاهلين تمامًا أن مرحلة الطفولة هي البناء الأساسي الذي ينعكس من خلالها مُستقبل الإنسان، وعبر موقع سوبر بابا سنتعرف على كيف لصدمات الطفولة أن تكون حاجز لسعادة الإنسان.

الصدمات النفسية في الصغر لا تنمحي

الصدمات النفسية في الطفولة هي بمثابة الحاجز بين الفرد والحياة، فلا يستطيع أن يرى الحياة كما تبدو، بل يراها في الصورة التي كونتها له الصدمة، ولكي تتمكن من معرفة مدى تأثير الصدمة يجب أولًا معرفة ماهية الصدمة حسب ما أوضحه الأطباء.

فالصدمة هي ذلك الحدث المؤلم التي يحدُث في الصغر أي قبل بلوغ سن 17 وتترك آثر لا يُمحى، فقيل إن “الصدمات النفسية في الصغر لا تنمحي” وهذه أصدق عبارة قيلت، فقد يستطيع الإنسان أن يتعامل معها فيما بعد ويتخطاها ويباشر حياته من جديد، لكنه لا يستطيع نسيانُها.

لصدمات الطفولة أكثر من صورة فليس كُل حدث يمر به الطفل يُطلق عليه صدمة، لذا سنُقدم لك بعض من أشكال صدمات الطفولة.

  • قد يتعرض الطفل للإساءة التي تتنوع صورها سواء كانت لفظية أي التنمر أو الجسدية أي الاعتداءات الجسدية (الضرب الشديد)، أو إساءة عاطفية وقد تكون من الجنس الآخر أو من الأصدقاء، وإساءة جنسية والتي يتعرض لها الكثير من الفتيات مثل التحرش الجنسي سواء لفظًا أو فعلًا.
  • الظروف التي تطرأ على العالم والتي تُعد من أشهر الظروف الحديثة هي الكورونا والكوارث الطبيعية والإرهاب والثورات والعُنف المُجتمعي وغيرها.
  • عدم الرعاية الكافية أي إهمال الوالدين حاجة الطفل سواء كانت النفسية أو الجسدية، فليست الرعاية تتمثل في توفير الطعام والشراب للطفل، بل لها صور عديدة من أهمها الاستماع للطفل، حتى في الأقاويل غير المُهمة احتضان الطفل؛ لبث الشعور بالأمان وغيرها من الصور.
  • الأمراض التي يتعرض لها الطفل مُنذ الصغر مثل السرطان أو بتر جزء من الجسم أو الحوادث.
  • وفاة أحد الوالدين أو المُقربين.
  • وقوع الطلاق.
  • رؤية خيانة أحد الأبوين.
  • تعاطي المُخدرات والكحوليات بل والتدخين أيضًا.
  • تخلي الآباء والأقارب عن الطفل أو عدم الاعتراف به، مما يجعل لا ملجأ له سوى الشارع.
  • تعامل الوالدين غير السوي (الآباء المُتسلطة).
  • التعرض للعُنصرية.
  • الصدمات الطبية.
  • الاستغلال.
  • الحرائق.

اقرأ أيضًا: طريقة انتقام الشخصية النرجسية

كيف يُمكن أن تجعلك صدمة الصغر…عالقًا

قد لا يعلم الكثير كيف له أن يُدرك أنه يعيش في زمن ولكنه عالق في زمن آخر، فكما وضحنا أن الصدمات النفسية في الصغر لا تنمحي، ويُمكنك مُلاحظة ذلك لأنه يظهر جليًا في عدة صور.

  • فرط العصابية والتعامل بخشونة طوال الوقت بالرغم من عدم الرغبة في ذلك.
  • الميل للتواجد بمفردك كثيرًا وعدم الرغبة بالاختلاط بالناس.
  • بالرغم كثرة أحلامك وقدرتك على تنفيذها، إلا إنك تشعر دائمًا بالفشل وأنك لن تستطيع النجاح.
  • الشعور بالإرهاق باستمرار.
  • تذكُر الأحداث الصدمة باستمرار ومحاولة تجاهلها، ولكنك لا تستطيع السيطرة على الأمر.
  • الشعور بأن جميع من حولك لا يحبونك، لأنك لا تجد الحُب في المُقربين لك.
  • عندما يحاول أحد مُساعدتك أو يُقدم لك ما تفتقره من الحب والرعاية تشعُر بأنه فخ، وأن هذا الشخص ينتظر منك مُقابل مما يترك بداخلك شعور بالخوف وعدم الراحة.
  • التعامل بلطف وحُب مع الأشخاص الذين يعانون من نفس مشكلتك لشعورك بأنهم وحدهم من يشعرون بما يدور بداخلك.
  • عدم الاقتناع بآراء الآخرين بل رأيك هو الصائب دائمًا، بالرغم أنه عند التفكير أحيانًا تشعر أن الآخرين صائبين، ولكن لا تستطيع أن تعترف ذلك إلا نادرًا.
  • حينما تشعر أنك كنت مُخطئًا في حق أحدهم وتحاول أن تُصلح هذا الخطأ ولكن بكافة الطٌرق دون الاعتراف بالخطأ، فالاعتذار من أصعب الكلمات التي يُمكنك قولها.
  • عند التفكير في الماضي كثيرًا تشعر بأن حياتك مُعتمة ولا يوجد سبب لكي تعيش من أجله، فلا يوجد من يحتاج لك، وهذا ما يجعل الأفكار الانتحارية تتردد في ذهنك كثيرًا.
  • أحيانًا قد يكون التدمير واحد من السلوكيات الأساسية عند الغضب، وعدم شعورك بما يدور حولك، وهذا ما يُسبب لك الكثير من الكوارث في حياتك فقد تُلحق الأذى بالآخرين لعدم وعيك عند الغضب.
  • يكون كلا من شعور الخوف والقلق هم المشاعر المُصاحبة لك في كافة المواقف.
  • كذلك ظهور علامات غريبة على الجلد مثل ظهور علامات زرقاء وحمراء دون سبب.
  • قد يُعاني البعض من التبول اللاإرادي.
  • عدم القُدرة على التركيز والانتباه.
  • الشعور باقتراب الأجل وأن كُل ما تمُر به هو سبب لاقتراب موتك.
  • البكاء لأصغر الأشياء بينما المواقف الصعبة تظل صامد وكأنك غير مُتأثر.
  • الرغبة بإيذاء النفس باستمرار.
  • عدم القُدرة على مسامحة الآخرين.
  • قد تحاول تمثيل الصدمة مرة أخرى أو قد ينعكس على تصرفاتك، مما يجعلك تقوم بما تعرضت له في الآخرين.
  • اضطرابات النوم.
  • انخفاض مستوى التحصيل الدراسي.
  • الشعور بأن كل شيء يُمكن التعامل معه بالقوة، وأن الآخرين لن يحترمونك إن كُنت شخص ضعيف.

معاناة الأشخاص المُتأثرين بصدمة الطفولة

الصدمات النفسية في الصغر لا تنمحي وتنعكس على حياتك ليس فقط في التصرفات التي تقوم بها، بل على كل ما يحُدث في حياتك مما يجعلك غير قادر على التحكم في زمام الأمر.

  • التعلق عند الحُب: نظرًا لكون المريض لا يُحب بسهولة، وبالتالي يمنح مشاعر مُبالغ بها مثل الغيرة الشديدة، مما يجعلك شخص غير مثالي في العلاقات؛ نظرًا لكون الطرف الآخر لا يستطيع تحمل تصرفاتك المبالغ بها، حتى مشاعر الحب القوية تجعل الآخرين ينفرون منك.
  • المثالية: السعي دائمًا للكمال، وإظهار مدى الشجاعة بالرغم أنك أكثر الأشخاص خوفًا، ولكن لا تُحب أن تُعبر عن مشاعرك الحقيقة وفي كثير من الأحيان لا تستطيع القيام بذلك، تُحاسب نفسك دائمًا حتى لا تسمح لنفسك بالوقوع بالخطأ مما يجعلك قاسيًا في حق نفسك.
  • التفكير في كل شيء حولك: حتى ما لا يخُصك خوفًا من تأثيره عليك فيما بعد.
  • دائمًا ما تشجع نفسك: وتستحسنها عن قيامك بإنجاز كبير، ولكن هذا الاستحسان ليس لقيامك بالإنجاز بل لقبولك المُخاطرة.
  • القول أكثر من الفعل: بالرغم من قُدرتك على التنفيذ، ظنًا منك أنك ستفشل في كل أمر ستقوم به.
  • سوء الظن بالآخرين: بالرغم من حُسن تصرفهم إلا أنك دائمًا ترى أن الجميع سيء ولكن بصورة مُختلفة، فكما تضررت منهم في طفولتك سيلحقون بك الأذى في الكبر، فتحاول بقدر المُستطاع تجنبهم حتى الأشخاص التي تُحبهم.
  • تجنُب التعرض للمواقف التي قد تُذكرك بأزمة الطفولة: وليكن الاعتداء الجنسي أو إهمال الوالدين يجعلك خائفًا من خوض تجربة الحُب والزواج.
  • التسرع: في اتخاذ القرارات وإدراك الخطأ بعد وقوع الحدث.
  • إرضاء الآخرين: بالرغم من انعدام الثقة بهم، لكنك أيضًا تميل إلى محاولة إرضاء الآخرين منعًا لوقوع المشاكل بينكم ولتجنب شرهم.
  • الشعور بالذنب: أحيانًا حينما تُفكر بمنطقية تشعُر أنك تظلُم كثير من حولك وأن جميع البشر ليسوا مُتشابهين وتُقدم لنفسك الدلائل، ولكن لا يستمر هذا التفكير طويلًا بل تُسيطر تجربتك السلبية على تفكيرك مما يجعلك تنكر كل ما ورد بعقلك.

اقرأ أيضًا: كيف ندرس الحالة النفسية

التغلُب على صدمات الطفولة

بالرغم أن الصدمات النفسية في الصغر لا تنمحي إلا أنه يوجد بعض الاستراتيجيات التي يُمكنك الاعتماد عليها، لكي تتمكن من مُباشرة حياتك بصورة طبيعي، ولا تتسبب تجاربك السابقة في إعاقة استمتاعك بالحياة.

  • التواجد في مكان هادئ: خاصةً عند الشعور بالغضب أو العصبية الشديدة، وحاول أن تسترخ قليلًا، وتفكر بهدوء فهكذا لن يتدخل أحد وبالتالي لن يُقاطعك.
  • اختبار الحواس: أي محاولة تذكر المشاعر التي كُنت تشعر بها أثناء وقوع الموقف وإحساسك بالطرف الآخر فإذا كُنت تُصدقه أو لا، فأعلم جيدًا أن مشاعرك لا يُمكن أن تخونك، فيُقال إن القلب يسبق العقل بخطوة.
  • تذكر الموقف: حاول أن تتذكر إذا كان الطرف الآخر مُخطأ أم أن مشاعرك قد تجاوزتك مرة أخرى، وجعلتك غير قادر على التفكير بجدية بل اتخذت موقف نتيجة لتأثرك بما يدور حولك.
  • تقبل مشاعرك: يُساعدك على فهمها، فإن أكبر مُشكلة تواجه الذين يعانون من الصدمات أنهم لا يحاولون فهم مشاعرهم ولا حتى تقبلها.
  • حاول مشاركة ما تشعر به: مع الآخرين أو مع شخص مُقرب لك.
  • تحديد الحدث الصادم: الذي يُعكر لك مزاجك ومحاولة التفكير في كل ما حدث، مع إدراك أنه ما مررت به لم يكن بقدرتك السيطرة على منع حدوثه.
  • تحلى بالصبر: خاصةً في تلك المواقف التي تتطلب اتخاذ القرارات حتى لا تتخذ قرار مُتسرع وتندم فيما بعد.
  • أترك زمام الأمور: أي دعها تمضي، وذلك من خلال محاولة التخلص من آثار الشخص الذي تسبب لك في الأذى، مثل حرق رسالة قام بكتابتها لك أو مواجهته بأفعاله.

طُرق العلاج النفسي

ينقسم العلاج النفسي لأكثر من نوع لا سيما سنذكر لك منها 4 أنواع يُمكن أن يلجأ لهم الطبيب أو المُعالج مع حالتك، فكما نعلم أن العلاج يُحدده الطبيب حسب تشخيصه لحالة المريض ولكنه بالنهاية يلجأ لبرامج العلاج التالية.

1- العلاج السلوكي المعرفي CBT

هو برنامج أساسي في العلاج لا يُمكن الاستغناء عنه، فهو أسلوب يهدف إلى تحديد العلاقة القائمة بين كل من أفكارنا وسلوكياتنا ومشاعرنا، وعلاقة ذلك بالأعراض التي تظهر لدينا، فالأفكار والمشاعر هي الأساس الذي يترتب السلوك، وبالتالي لكي يقود المُعالج المريض لتغيير سلوكياته وتطويرها وتغيير روتين حياته.

فيجب أولًا السيطرة على أفكار ومشاعر المريض والتأكد من تحديد طريقة تفكير المريض غير السليمة وتوضيح مبررات لكل ما يشعر به، وذلك لأن الدماغ تعمل على صُنع أنماط من التصرفات، وبالتالي يكون دور المُعالج تغيير النمط، لكي ينجو المريض، فخلال رحلة العلاج يُصبح المريض أكثر صحة وتوازنًا.

2- العلاج المعرفي

لكي يتعرف المريض على أفكاره الخاطئة التي تُسيطر عليه، فكل مُعظم الأوقات فيجب أولًا إدراك أنها خاطئة من الأساس لذا يطلق عليه العلاج المعرفي، فيتعرف المريض من خلاله على حقيقة أفكاره ولماذا تكونت داخله، وحينما يُدرك المريض أن هذه الأفكار ليست صحيحة يبدأ تلقائيًا في استنباط أفكار أخرى صحية.

فيقوم هذا العلاج على (أنه يُمكنك تغيير مُعتقداتك ومشاعرك)، فبالرغم أن الصدمات النفسية في الصغر لا تنمحي، ولكننا يُمكننا تغيير نتائجها التي تم زرعها بداخلنا.

3- العلاج النفسي الديناميكي

ثم يبدأ الطبيب بالتركيز على العقل الباطن للمريض، أي اللاوعي، فكما وضحنا أن نوبات الغضب والأفكار السوداوية تسيطر على المريض، ويُصبح في حالة من اللاوعي بل هو في عالم آخر، خاصةً عند مواجهة أي من المواقف الشبيهة للصدمة.

فيقوم الطبيب بمساعدة المريض على فهم الصدمة النفسية والبحث معًا عن الزمان الذي يتواجد فيه العقل، أي زمن وقوع الصدمة ومحاولة التخفيف من الأثر الأليم التي تتركه الصدمة، وبالتالي محاولة أيقاظ العقل لكي يعود به إلى الزمن الحقيقي ويبعده عن التعلق بالزمن الخطأ.

مع توفير بعض الآليات للمريض لكي يتأقلم فهذه المرحلة تكون من أصعب المراحل العلاجية، ففيها يُدرك المريض أخطاؤه وأنه كان يعيش في عالم من الوهم وفقد جزء كبير من حياته هباءًا.

اقرأ أيضًا: كيفية علاج الضغط النفسي

4- العلاج بالتعرُض

بمساعدة المُعالج يبدأ المريض بإعادة بناء الأحداث مرة أخرى، ولكن هذه المرة بطريقة إيجابية وذلك من خلال التفكير العميق في الموقف مرة أخرى، ويتم تنمية الشعور بالهوية وإحياء الذات، وخلال هذه المرحلة يعتمد المريض على نوعين من العلاج.

  • التعرض التخيلي: أي محاولة تعريض المريض للأحداث التي مر بها في الماشي بصورة تدريجية، حتى يصل إلى الأحداث الأليمة ثم البدء في محاولة التقليل من التأثير السلبي لها، وبالتالي الحد من آثار ما بعد الصدمة.
  • التعرض الواقعي: أي وضع المريض في مواقف فعلية شبيهة بالصدمة وتوفير المُنبهات كلها؛ لإحياء هذه التجربة مرة أخرى قم ثم مُساعدته على المحاربة؛ ليهزم مخاوفه ويبدأ في مواجهة الموقف بطريقة صحيحة.

ثم توضيح للمريض أن الصدمات النفسية في الصغر لا تنمحي ولكن يمكن مواجهتها والتخلص من آثارها السلبية، والتعامل معها بصورة صحية غير مؤذية، وغالبًا ما تكون هذه المرحلة هي المرحلة الأخيرة من العلاج مع التزامن بتطبيق بعض الآليات من قبل المريض والمٌحيطين به.

لن يشعر بالمشكلة إلا من يمُر، فعدم إدراكك للحل لا يعني أن مُشكلتك لا يوجد لها حل بل أنه يوجد ما تتغافل عنه ومساعدة الآخرين والطبيب تستطيع العثور على هذا الحل.