السماحة في الإسلام تظهر في جميع تعاليم الدين بشأن تنظيم معاملات المسلمين فيما بينهم، كما تظهر أيضًا في معاملاتهم مع غير المسلمين، والأدلة عليها لا حصر لها في القرآن والسنة.. لنا أن نوافيكم بها من خلال موقع سوبر بابا.

السماحة في الإسلام

من يعرف تعاليم الدين الإسلامي جيدًا ويتأمل الغرض منها يوقن بأنه دين السماحة والرحمة والسلام، فقد جاء سمحًا لنتصف نحن كذلك بهذا الخلق الذي قامت عليه أحكام ديننا، أن أكون أنا، وأن تكون أنت.. من أهل السماحة.

قد محا الإسلام الجاهلية وما فيها من عادات قبلية لا تتماشى مع السماحة في الإسلام مثل العصبية القبلية والعرقية، وقد أكد الاسلام أنه لا فرق بين عربي ولا أعجمي إلا بالتقوى.

كما شبه الناس بأسنان المشط فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: (يا أيُّها النَّاسُ، ألَا إنَّ ربَّكم واحِدٌ، وإنَّ أباكم واحِدٌ، ألَا لا فَضْلَ لِعَربيٍّ على عَجَميٍّ، ولا لعَجَميٍّ على عَرَبيٍّ، ولا أحمَرَ على أسوَدَ، ولا أسوَدَ على أحمَرَ؛ إلَّا بالتَّقْوى).

اقرأ أيضًا: أهمية التفاؤل في الإسلام

أولًا: مظاهر سماحة الإسلام في العبادات

لكل أمر أمرنا به الله -عز وجل- في القرآن الكريم نجد أن الله وضع بدائل ورخص لغير القادرين، فكما قال الله تعالى في سورة البقرة (يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ).

يظهر ذلك جليًا في تعاليم الإسلام فإذا عجزت أن تتوضأ فقد أعطاك الله الرخصة للتيمم، وإن لم تستطع أن تصلي قائمًا فرخص الله لك الصلاة جالسًا أو حتى نائمًا ولا ينقص من أجرك شيء، وإن استحال عليك صيام رمضان فوفِ من يوم آخر، أو عليك بإطعام مسكين عن كل يوم.

فكيف يكون الله هو أرحم الراحمين ولا يكون هذا الدينٌ سمحًا؟ فكما أنزل الله علينا العبادات والتعليمات بالرحمة والتسامح أمرنا -عز وجل- أيضًا أن نتصف بهذه الأخلاق التي قامت عليها أحكام ديننا، وأن تتسم معاملاتنا وعلاقاتنا بالتسامح والرحمة ليعم الخير والسلام.. (مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).

من مظاهر السماحة في الإسلام أيضًا تيسيره لشؤون الحج، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: (أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف في حجة الوداع بمنيً للناس يسألونه، فجاءه رجل، فقال: لم أشعر فحلقت قبل أن أذبح، فقال: اذبح ولا حرج، فجاء آخر فقال: لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي، قال: ارم ولا حرج، فما سئل النَّبي صلى الله عليه وسلم عن شيء قُدِّمَ ولا أُخِّر، إلا قال: افعل ولا حرج).

ثانيًا: تسامح المسلمين فيما بينهم

نهى الرسول -عليه أفضل الصلاة والسلام- عن التَّشدد في الدين، فعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هلك المتنطعون) قالها ثلاثًا.

فالسماحة في الإسلام هي أن يتصف المسلم بطيب القلب ورحابة الصدر وسخاء النفس والكرم والعفو عند المقدرة، فلا ضرر إن تنازل المسلم إذا تطلب الأمر عن بعض حقه إذا كان في ذلك منفعةً لباقي المسلمين.. ﴿وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾.

فمن أوجه السماحة عند المسلم أن تجد الرجل يتنازل عن بعض حقه بشرط أن يقع في أمر محرم أو مكروه ولكن لينهي خلافًا أو خصومة قد تتحول إلى ضرر له ولأهله أو لمن حوله، فلا يجب على المؤمن ألا يتصف بالعناد والتكبر.

كما حث الإسلام على التمسك بقيم التراحم كالعفو عند المقدرة، فقد يتعرض الإنسان للإساءة في حياته اليومية، أو لبعض المشكلات التي تحدث بينه وبين أخيه المسلم، وقد يتطور الأمر إلى الشجار أو المقاطعة في بعض الأحيان، الأمر الذي يسيء إلى المسلمين في الدنيا والآخرة.

لذلك أمرنا الله بالعفو والتسامح فما أجمل التجاوز عن الإساءة أو الذنب ومسامحة الفاعل على وعد منه بالتوبة والإحسان؟ كما يجب على المسلم التماس العذر لأخيه المسلم مما يعود عليه بالثواب العظيم من الله.

اقرأ أيضًا: معنى الإسلام لغة واصطلاحًا

ثالثًا: سماحة الإسلام مع غير المسلمين

لم تقتصر سماحة الإسلام على المسلمين وبعضهم فحسب، بل امتدت إلى غير المسلمين، من النصارى واليهود أو حتى المشركين، وحتى في حالة الحرب، فقد نهى ديننا العظيم عن قتل الطفل أو المرأة أو الشيخ.

فعن بريدة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم-: (إذا أمَّر أميرًا على جيش، أو سريَّة، أوصاه في خاصته بتقوى الله، ومن معه من المسلمين خيرًا).. كما قال أيضًا صلى الله عليه وسلم: (إذا فتحتم مصر، فاستوصوا بالقبط خيرًا، فإن لهم ذمةً ورحمًا).

من أهم مظاهر التسامح في الإسلام حرية العقيدة فقد كفل الإسلام هذه الحرية لجميع البشر وإن كانوا تحت حكم الشريعة الإسلامية، وهنا يقول الله تعالى في سورة البقرة: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).

تظهر السماحة في الإسلام في ولاية الخلفاء الراشدين.. فقد قال أَسْلَمُ (مولى عمر): سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ لِعَجُوزٍ نَصْرَانِيَّةٍ: أَسْلِمِي أَيَّتُهَا الْعَجُوزُ تَسْلَمِي، إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا بِالْحَقِّ. قَالَتْ: أَنَا عَجُوزٌ كَبِيرَةٌ وَالْمَوْتُ إِلَيَّ قَرِيبٌ! فَقَالَ عُمَرُ: اللَّهُمَّ اشْهَدْ، وَتَلَا (لَا إِكْراهَ فِي الدِّينِ).

كما قال الله تعالى (خُذِ العَفوَ وَأمُر بِالعُرفِ وَأَعرِض عَنِ الجاهِلينَ)، وقال -جل وعلا- في كتابه أيضًا: (ادعُ إِلى سَبيلِ رَبِّكَ بِالحِكمَةِ وَالمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجادِلهُم بِالَّتي هِيَ أَحسَنُ).. وتظهر في تلك الآيات الحكيمة كم أن هذا الدين نزل رحمة للعالمين ليس للمسلمين فقط.

مظاهر السماحة في الإسلام لا تعد ولا تحصى، ولدينا في تاريخنا الإسلامي من النماذج ما لا يسعنا ذكره، ولكن علينا ألا نسمح للمغرضين والذين يهدفون إلى تشويه صورة الإسلام بأن ينالوا من ديننا الذي هو عصمة أمرنا.