الإعتراف بالخطأ والإعتذار في الإسلام أمر يناسب طبيعة المسلم، فالإنسان بطبعه غير معصوم من الخطأ فمن الطبيعي أن يخطئ ويعتذر عما قام به، ويتعلم منه حتى لا يكرره مرة أخرى، وقد حثنا الدين الحنيف على التخلي عن الكبر والتمسك بمكارم الأخلاق بكل ما فيها من خصال حسنة، ويأتي موقع سوبر بابا ببيان ماهية الإعتذار في الإسلام.

الإعتراف بالخطأ والإعتذار في الإسلام

الإعتراف بالذنب فضيلة، تعدّ هذه المقولة من أعظم المقولات عن فضيلة الإعتراف بالذنب والإعتذار، مُضافة إلى ما جاء القرآن الكريم، حيث أنزله الله تعالى دستور كامل لكافة تفاصيل حياة المسلمين الدينية والدنيوية، لذا شمل أيضًا الإعتراف بالخطأ والإعتذار.

  • قال الله تعالى عن التوابين الذين يتوبون من بعد الوقوع في الذنب أو المعصية، وهذا ينطبق على من يُخطأ في حق إنسان آخر، فعليه أن يعقب هذا الخطأ بالإعتذار ليمحوه “وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ” (القصص: 54).
  • لقد بيّن الله لنا في قصص الأنبياء قصة أبانا آدم وأمنا حواء ليعلمنا معنى الإعتذار والإعتراف بالخطأ، فلما أخطأ سيدنا آدم عليه السلام لم يستكّبر وإنما تحمّل عاقبة خطأه، عندما أنزله الله إلى الأرض وهذا ما بينه لنا الله في هذه الأية: “فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ” (البقرة: 37).
  • في قوله: “قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ” (الأعراف: 23)، من شدة التصالح مع النفس، ونقاء الروح، قال آدم ربنا إنّا ظلمنا أنفسنا، لا يوجد أعظم من ذلك دليل على الإعتراف بالخطأ وعدم المكابرة، والندم وطلب الصفح والمغفرة.
  • في موسى عليه السلام ضرب الله لنا مثلًا عظيمًا في الإعتراف بالخطأ والإعتذار في الإسلام، وعدم تبريره، وإذ قال في خشوع: “هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ. قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ” (القصص: 15، 16).
  • أما في بلقيس التي نشأت في بيئة ليست مسلمة مثلًا عظيمًا، لمّا أذنبت واعترفت بذنبها قالت: “رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ” (النمل: 44).

يجب التنويه أن في القصص النبوي ما قص علينا القرآن الكريم من المواقف التي اعتذر فيها الرسول صلى الله عليه وسلم عندما أتى إليه “الأعمى” عبد الله ابن أم مكتوم وقال له: “يا رسول الله يَا رَسُولَ اللهِ عَلِّمْنِي، وَكَانَ مَعَهُ عَدَدٌ مِنْ كُفَّارِ قُرَيْـشٍ يَدْعُوهُمْ لِلإِسْلاَمِ، وَيَرْجُو بإِسْلامِهِمْ خَيْرًا كَثِيرًا“.

فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم انتظر، فلم يصبر عبدالله وظل يُلح على النبي فأنزل الله عز وجل سورة عبس “عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى (2) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى (4) أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى (5) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (6) وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى (7) وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى (8) وَهُوَ يَخْشَى (9) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى“، فقام النبي إلى عبدالله ابن مكتوم واعتذر إليه، واحتضنه في تأثر قائلًا ” مَرْحَبًا بِمَنْ عَاتَبَنِي فِيهِ رَبِّي“، وليس هناك أرفع وأسمى وأعظم من النبي كي نتعلم منه ثقافة الإعتذار.

اقرأ أيضًا: ما هي الكبائر التي لا تغفر؟

أحاديث عن الإعتراف بالخطأ والإعتذار في الإسلام

إن الإعتراف بالخطأ يدل على نقاء النفس، وسلامة القلب، ونُبل الخُلق، وإن القصص النبوية والأحاديث تمتلئ بهذه المعاني والصفات الطيبة.

  • من الوصايا التي جاءت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه وصانا أن نحذر من الوقوع في الخطأ بقوله: ولا تكلم بكلام تعتذر منه غدًا” بمعنى لا تفعل شيئًا تندم عليه غدًا، وإذا فعلت عليك بالتأكيد الإعتذار عمّا فعلت.
  • أما في قصة الصحابي كعب بن مالك الذي تاب وقد أنجاه الصدق فقد كان يقول: “يا رسول الله! إني لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا، لرأيت أني أخرج من سخطته بعذر، والله ما كان لي عذر…” رواه أحمد وأصله في الصحيحين.
  • في موقف آخر من القصص النبوي أن من الأشعريين من جاءوا إلى أبي موسى الأشعري فطلبوا مرافقة النبي -صلى الله عليه وسلم- لكن أبي موسى لم يكن يعرف ماذا يريدون، وقد كانوا يطلبون أن يتولوا أعمال المسلمين، فقابلهم أبي موسى فبدا وكأنه أتى ليشفع لمن طلب الإمارة، فشعر بالحرج منهم وقَبِلَ حيث قال: “فاعتذرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعذرني” (رواه أحمد والنسائي).
  • الإعتراف بالخطأ والإعتذار كان خُلق الصحابة في الإسلام، يُروى عن الإمام أحمد أن عثمان بن عفان جاء يعتب على ابن مسعود في أمور قِيلت عنه، فقال: “هل أنت منته عمَّا بلغني عنك؟ فاعتذر بعض العذر” وهذا يبين أن الإعتذار لا يكون على الخطأ فحسب، بل يمكن أن يكون بغرض عدم إساءة الفهم، والدفع بالحسنة، ونفي الشبهات.
  • لنا في أبي بكر الصديق رضى الله عنه، وهو خليفة المسلمين وليس مجرد شخص عادي قوله: “إن أصبت فأعينونى وإن أخطأت فقومونى“، وقول عمر بن الخطاب رضى الله عنه: “رحم الله امرأ أهدى إلى عيوبى“، ولا أعتقد أن هناك مثالًا أعظم من عمر بن الخطاب وأبي بكر الصديق رضي الله عنهما ليقتدي الناس بهما.
  • لا أحد من البشر لا يخطأ، ولا أحد معصوم عن الخطأ حتى الأنبياء فهم يخطأون ويصيبون، وأعظمهم من يعترف بخطأه، ويعتذر عنه يقول النبي صلى الله عليه وسلم: “كُلُّ بَني آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيرُ الخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ” ويقول عليه الصلاة والسلام: قال الله تعالى: “يَا عِبَادِي، إِنَّكُم تُخطِئُونَ بِاللَّيلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا أَغفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا فَاستَغفِرُوني أَغفِرْ لَكُم” (أَخرَجَهُ مُسلِمٌ).
  • من أخطأ وعاد فأخطأ مرة أخرى وتاب واستغفر لله فإن الله يتوب عليه من الذنب، فمن نحن لكي لا نفعل! قال الله تعالى: “قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم“، ولقوله سبحانه: “والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون“.

اقرأ أيضًا: السماحة في الإسلام

فضل الإعتراف بالخطأ والإعتذار في الإسلام

للإعتذار فضل عظيم فهو يدل على تواضع وحكمة، وتسامح وخُلق حسن ومن فضائله ومميزاته عدة أمور.

  • الإعتراف بالخطأ يرفع من قيمة صاحبه ويعلي قدره.
  • يجعل صاحبه محبوب بين الناس.
  • يجبر الخواطر بين الناس ويقوي العلاقات.
  • يحافظ على روابط المحبة والألفة بين الناس.
  • يدل على النضج والسلام النفسي والتصالح مع الذات.
  • التصالح مع فكرة أن البشر مثلما لهم ميّزات لهم عيوب وأخطاء.
  • قوي النفس فقط من يعترف بأخطاءه ويبادر بالإعتذار عنها بشكل لائق.
  • يثق الناس فيمّن يعترف بأخطاءه، ويحرص على الإعتذار بأسرع وقت.

اقرأ أيضًا: جزاء الظالم عند الله وعقابه

طرق الإعتذار

مثلما تأكدت أن الإعتراف بالخطأ والإعتذار في الإسلام واجب، وأنه من شيم النبلاء والملتحقين بالصالحين من قومهم، لكن لا يكمن الاعتذار كفعل منفصل عن طريقة تقديمه وأسلوب صاحبه، فهناك من يعتذر بشكل يزعج الآخر، وهو لا يدري.

  • الاعتراف بالخطأ وتجنب تبرير الفعل السيء.
  • الإعتذار بصدق ومراعاة مشاعر الأخرين والصبر على جفوتهم.
  • المبادرة إلى قول الكلمات الطيبة، وإظهار حسن النية، وتصحيح ما قد ينتج عنه سوء فهم.
  • تحمل مسئولية الخطأ، والإقرار بحق الآخر في الشعور بالإساءة، والإعتذار منه.
  • الإعتذار بكلمات واضحة دون التلاعب بالألفاظ، وتوجيه الإتهامات المبطنة.
  • الإشارة إلى عدم تكرار الخطأ، مع النية والعزم على عمل ذلك.
  • المبادرة بتلطيف الأجواء في المستقبل، والتعويض عمّا فات.

الإعتراف بالخطأ والإعتذار عنه من صفات الكبار، فهو لا يقلل من الشخص المُخطيء بل يرفع من شأنه، حيث عدم الإعتراف بالخطأ ما يقلل من قيمة الشخص ويظهره بمظهر الضعيف.