أنواع الحياء في الإسلام يُمكن الاستدلال عليها بسهولة من خلال آيات الذِكر الحكيم والسُنة النبوية الشريفة، حيث جاء الله تعالى ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم بكلام يوضح لنا كل التفاصيل المتعلقة بمكارم الأخلاق، وإن الحياء لهو خُلق من أعظم الأخلاق التي يجب أن يتحلى بها كل مُسلم ومُسلمة، ومن خلال موقع سوبر بابا نتناول الحديث عنه بشيء من التفصيل.

أنواع الحياء في الإسلام

منذ الوهلة الأولى والإسلام يدعونا إلى مكارم الأخلاق، فهي الرسالة التي كُلِف النبيّ صلى الله عليه وسلم بها بجانب الدعوة إلى السلام، ومن بين الأخلاق الكريمة نجد أن الحياء هو المفتاح الذي يُغلق باب الشرور في الدُنيا، أما عن أنواعه فهي آتية على النحو التالي:

1- الحياء من الله عز وجل

إنه أعظم أنواع الحياء في الإسلام، حيث يقود صاحبه إلى الالتزام بأداء العبادات في أوقاتها دون تقصير، نظرًا لأنه يؤمن بمراقبة الله له في كل وقت وأي مكان، لذا يستحي أن يرتكب المعصية، وقد حثنا النبيّ على التحلّي بهذا النوع من الحياء.

جاء ذلك في رواية عبد الله بن مسعود: استَحيوا منَ اللَّهِ حقَّ الحياءِ، قُلنا: يا رسولَ اللَّهِ إنَّا لنَستحيي والحمد لله، قالَ: ليسَ ذاكَ، ولَكِنَّ الاستحياءَ منَ اللَّهِ حقَّ الحياءِ أن تحفَظ الرَّأسَ، وما وَعى، وتحفَظَ البَطنَ، وما حوَى، ولتَذكرِ الموتَ والبِلى، ومَن أرادَ الآخرةَ ترَكَ زينةَ الدُّنيا، فمَن فَعلَ ذلِكَ فقدَ استحيا يعني: منَ اللَّهِ حقَّ الحياءِ” صحيح الترمذيّ.

2- الحياء من الملائكة

يُشير هذا النوع من أنواع الحياء في الإسلام إلى ضرورة المعرفة بأن هناك ملائكة تكتب كل فعلة يفعلها ابن آدم، لذا عليه أن يتحلى بالحياء منهم، فإن ذلك يساعد في تجنب المعاصي والأفعال القبيحة.

3- الحياء من الناس

يُعد هو الضابط الأكثر فعالية لأفعال المرء، فإن استحى من الناس قضى أكبر وقت مُمكن غير قادر على ارتكاب كل ما هو قبيح من الفعل والقول.

4- الحياء من النفس

أمرٌ ضروري أن يستحي المسلم من أن يرتكب الذنوب احترامًا لنفسه قبل أن يكون ذلك بغرض احترام الناس، حيث إن المرء الذي يستحي من الناس دون نفسه دائمًا ما تكون قيمة نفسه عنده قليلة مقارنةً بقيمة الناس.

قد يجعله ذلك مستحيًا من فعل الأعمال القبيحة أمام الناس فقط، أما الاستحياء من النفس فهو يجعل صاحبه غير قادر على ارتكاب الذنوب حتى ولو كان وحده، وهو ما يجعل مفهوم الحياء متجليًا في العفة وحُسن السريرة والحفاظ على حُرمة الخلوات.

اقرأ أيضًا: قصص عن الحياء في الإسلام

أقسام الحياء باعتبار محله

جدير بالمعرفة أن أقسام الحياء في الإسلام يختلف مفهومها عن أقسام الحياء باعتبار محله، حيث إنه التصنيف الذي يوجد نوعان من الحياء، وهما:

  • الحياء الفطري: هو الحياء المتواجد في نفس الإنسان منذ الولادة، والذي يمنحه الله إياه، مثل حياء الطفل من انكشاف عورته أمام الناس.
  • الحياء المكتسب: إنه الحياء المُكتسب من الدين، حيث يستحي الإنسان من فعل شيء ما بسبب خوفه من رؤية الله.

الفرق بين الحياء والخجل في الإسلام

من المهم أن يكون المسلم على دراية تامة بأن أنواع الحياء في الإسلام تختلف عن الخجل الذي يشعر به الشخص عند حدوث موقف مُعين في محل خاطئ جعل صاحبه يشعر بالإحراج أمام الآخرين.

الحياء في القرآن الكريم

بيّن لنا القرآن الكريم عدة صور من أنواع الحياء في الإسلام، نظرًا لأنه الصفة الحميدة التي تجعلنا نتمسك بأخلاقنا الطيبة المنتمية إلى الدين الإسلامي، والتي تبعدنا عن كل ما هو قبيح من الأفعال، وجاء ذلك في أكثر من موضع، منها ما يلي:

  • فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ” الآية 25 من سورة القصص.
  • “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ” الآية 53 من سورة الأحزاب.
  • “يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا ۖ وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ ۚ ذَٰلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ” الآية 26 من سورة الأعراف.

اقرأ أيضًا: إذاعة عن الحياء قصيرة

أقوال السلف والعلماء في الحياء

إن مختلف أنواع الحياء في الإسلام لها العديد من الفضائل التي تعود بالنفع على صاحبه في الدُنيا والآخرة، وقد جاء ذلك في العديد من أقوال العلماء والسلف الصالح عن الحياء، ومن أبرزها:

  • قيل: (مِن علامات المستحي: ألا يُرَى بموضع يُسْتَحَيا منه).
  • قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (مَن قلَّ حياؤه قلَّ ورعه، ومَن قلَّ ورعه مات قلبه).
  • قال أيضًا: (حياة القلب يكون فيه قوَّة خُلُق الحَيَاء، وقلَّة الحَيَاء مِن موت القلب والرُّوح، فكلَّما كان القلب أحيى كان الحَيَاء أتم).
  • قال الجنيد: الحَيَاء: (رؤية الآلاء ورؤية التَّقصير، فيتولَّد بينهما حالة تُسمَّى الحَيَاء، وحقيقته: خُلُقٌ يبعث على ترك القبائح، ويمنع مِن التَّفريط في حقِّ صاحب الحقِّ).
  • الفضيل بن عياض: (خمسٌ مِن علامات الشَّقاوة: القسوة في القلب، وجمود العين، وقلَّة الحَيَاء، والرَّغبة في الدُّنْيا، وطول الأمل).
  • ربيط بني إسرائيل: (زين المرأة الحَيَاء، وزين الحكيم الصَّمت).
  • ذو النُّون المصري: (الحَيَاء، وجود الهيبة في القلب، مع وحشة ما سبق منك إلى ربِّك تعالى).
  • الجريري: (تعامل القرن الأوَّل مِن النَّاس فيما بينهم بالدِّين، حتى رقَّ الدِّين.. ثمَّ تعامل القرن الثَّاني بالوفاء حتى ذهب الوفاء، ثمَّ تعامل القرن الثَّالث بالمروءة حتى ذهبت المروءة، ثمَّ تعامل القرن الرَّابع بالحَيَاء حتى ذهب الحَيَاء، ثمَّ صار النَّاس يتعاملون بالرَّغبة والرَّهبة).
  • أبو عثمان: (مَن تكلَّم في الحَيَاء ولا يستحي مِن الله عزَّ وجلَّ فيما يتكلَّم به، فهو مُستَدرَج).
  • أبو عبيدة النَّاجي: سمعت الحسن يقول: (الحَيَاء والتَّكرُّم خصلتان مِن خصال الخير، لم يكونا في عبد إلَّا رفعه الله عزَّ وجلَّ بهما).
  • ابن عطاء: (العلم الأكبر: الهيبة والحَيَاء؛ فإذا ذهبت الهيبة والحَيَاء، لم يبق فيه خير).
  • ابن القيِّم في حقيقة الحَيَاء: (قال صاحب المنازل: الحَيَاء: مِن أوَّل مدارج أهل الخصوص، يتولَّد مِن تعظيمٍ منوطٍ بودٍّ).
  • ابن أبي الدُّنْيا: (قيل لبعض الحكماء: ما أنفع الحَيَاء؟ قال: أن تستحي أن تسأله ما تحبُّ، وتأتي ما يكره).

أحاديث نبوية عن الحياء

يُمكن الاستدلال على أنواع الحياء في الإسلام من خلال السُنة النبوية الشريفة التي تركها لنا الرسول محمد صلى الله عليه وسلم لتضيء لنا الطريق الذي نسير فيه لنحافظ على ديننا الحنيف، وقد نُقِلت العديد من الأحاديث إلينا لنجد فيها الترغيب في الاتصاف بالحياء من خلال توضيح فضائل مختلف الأنواع منه، وفيما يلي نذكر الصحيح منها:

  • الراوي أبو هريرة رضي الله عنه: الإِيمانُ بضْعٌ وسَبْعُونَ، أوْ بضْعٌ وسِتُّونَ، شُعْبَةً، فأفْضَلُها قَوْلُ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وأَدْناها إماطَةُ الأذَى عَنِ الطَّرِيقِ، والْحَياءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإيمانِ” صحيح مسلم.
  • رواية أبو سعيد الخدري: “كانَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أشَدَّ حَيَاءً مِنَ العَذْرَاءِ في خِدْرِهَا. [وفي رواية زيادة]: وإذَا كَرِهَ شيئًا عُرِفَ في وجْهِهِ” صحيح البخاري.
  • رواه أبو مسعود عقبة بن عمرو: “إنَّ ممَّا أدْرَكَ النَّاسُ مِن كَلامِ النُّبُوَّةِ، إذا لَمْ تَسْتَحْيِ فافْعَلْ ما شِئْتَ” صحيح البخاري.
  • الراوي عمران بن الحصين: “الحَياءُ لا يَأْتي إلَّا بخَيْرٍ. فقالَ بُشيرُ بنُ كَعْبٍ: مَكْتُوبٌ في الحِكْمَةِ: إنَّ مِنَ الحَياءِ وَقارًا، وإنَّ مِنَ الحَياءِ سَكِينَةً. فقالَ له عِمْرانُ: أُحَدِّثُكَ عن رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وتُحَدِّثُنِي عن صَحِيفَتِكَ!” صحيح البخاري.
  • رواه عبد الله بن عمر: أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مَرَّ على رَجُلٍ منَ الأنصارِ وهو يَعِظُ أخاهُ في الحَياءِ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: دَعْه، فإنَّ الحَياءَ منَ الإيمانِ” ورد في الصحيحين.

اقرأ أيضًا: حوار بين شخصين عن الحياء

منزلة الحياء في الإسلام

فضلًا عن أنواع الحياء في الإسلام فإن الاتصاف بتلك الصفة له العديد من الفضائل، والتي جاءت الدلائل عليها في أكثر من موضع في السُنة النبوية الشريفة، منها ما تمثل على هيئة دعوة من الرسول للاتصاف بالحياء، ومنها ما نذكره مع فضيلة الحياء بشيء من التفصيل فيما يلي:

1- صفة يحبها الله

هناك العديد من الصفات الأخلاقية التي يُحبها الله ويكون صاحبها أقرب إليه من أي شخص آخر، ومن بينها الحياء، حيث يجعل المؤمن أقرب إلى ربه، وذلك استدلالًا بقول النبيّ صلى الله عليه وسلم المرويّ عن أبي هريرة رضي الله عنه:

إنَّ اللهَ تعالى إذا أنعَم على عبدٍ نعمةً، يحبُّ أن يرى أثرَ النِّعمةِ عليه، ويكره البُؤسَ والتَّباؤسَ، ويُبغِضُ السائلَ الملْحِفَ، ويحبُّ الحييَّ العفيفَ المتعفِّفَ” صحيح الجامع.

2- مفتاح للزينة

أوضح النبيّ صلى الله عليه وسلم أن الفعل الفاحش ما كان في شيء إلا وعابه أو أنقصه، والمقصود بالفعل الفاحش هنا هو كل ما قبيح من الفعل والقول والأخلاق.

أما الحياء فما كان في شيء إلا وزيّنه، أي أكمله وجعله أكثر جمالًا، وذلك في رواية أنس بن مالك: “ما كانَ الفحشُ في شيءٍ إلَّا شانَه وما كانَ الحياءُ في شيءٍ إلَّا زانَه” صحيح الترمذيّ.

3- يستظل صاحبه بظل الله

تحدث الكثير من الأهوال العصيبة في يوم القيامة، ومن ضمنها أن الشمس تقترب من رءوس العباد فيشتد عليهم الحرّ، أما صاحب صفة الحياء فإنه ممن بشرهم الله -عز وجل- بأنهم من السبعة الذين يظلهم بظله، وذلك في رواية أبي هريرة رضي الله عنه:

سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ تَعَالَى في ظِلِّهِ يَومَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ: إمَامٌ عَدْلٌ، وشَابٌّ نَشَأَ في عِبَادَةِ اللَّهِ، ورَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ في المَسَاجِدِ، ورَجُلَانِ تَحَابَّا في اللَّهِ، اجْتَمعا عليه وتَفَرَّقَا عليه، ورَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وجَمَالٍ فَقالَ: إنِّي أَخَافُ اللَّهَ، ورَجُلٌ تَصَدَّقَ بصَدَقَةٍ فأخْفَاهَا حتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ ما تُنْفِقُ يَمِينُهُ، ورَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا، فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ” صحيح البخاري.

4- سبب لدخول الجنة

إن الحياء هو الصفة الأخلاقية التي تمنع صاحبها من القيام بالقبيح من الأفعال والأقوال، حيث يستحي الفاعل من القيام بالمعاصي، وهو أحد أنواع الحياء في الإسلام، ونتيجة لذلك يُعد أقرب إلى الجنة.

يرجع الفضل في ذلك إلى اتصاف الذات الإلهية بالحياء، وجاء الدليل على ذلك في رواية أبي هريرة: الحياءُ منَ الإيمانِ، والإيمانُ في الجنَّةِ، والبَذاءُ منَ الجفاءِ، والجفاءُ في النَّارِ” صحيح الترمذيّ.

يُعد الحياء من أجلّ الأخلاقيات التي حثنا الدين الإسلامي على التحلي بها، والتي تقي صاحبها من الأعمال السيئة، وتمنحه الثواب العظيم في الآخرة.