ما هي أسس بناء العلاقة الزوجية في الإسلام؟ وما هي آليات تطبيقها؟ تهم إجابات تلك الأسئلة جميع الأسر المسلمة، لما فيها من إرشادات للعلاقة الإنسانية والمادية بين الزوجين إلى الأبد، فقد اهتم الدين الإسلامي بالزواج وأعطاه الخصوصية بين العلاقات لأنه نواة المجتمع، وهذا ما سوف نتناوله في موقع سوبر بابا.

أسس بناء العلاقة الزوجية في الإسلام

وضع القرآن الكريم القواعد الرئيسية التي تُعد بمثابة أرضية ثابتة التي يبنى عليها الزواج الإسلامي الصحيح، كما تعامل الإسلام مع الزواج باعتباره ميثاق مُقدس وليس مجرد تجربة كما تعتبره الثقافات الأخرى، كما أن الأسرة هي نواة المجتمع وإن صلح الزواج صلح المجتمع كله.

  • ظهرت قيمة الزواج بشكل واضح في قوله تعالى (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) الروم 20.
  • الكثير من الناس يتساءل عن أسرار الحياة الزوجية السعيدة، لكن في الحقيقة إن الحياة الزوجية لا تُبنى على الأسرار بل تحتاج إلى الوضوح، الذي بدوره أساس بناء العلاقة الزوجية في الإسلام.
  • يجب أن نتأكد أن المنظومة الإسلامية الموجودة في القرآن والسنة هي الأفضل لاستقرار حياتنا؛ لأن من وضعها هو من خلقنا وهو أدرى بنا من أنفسنا.
  • نلاحظ أن القوانين والقواعد التي يضعها البشر تتسم بعدم الواقعية في تقدير الذات والتعامل مع النفس البشرية على أنها مثالية، لكن النصوص الشرعية تراعى النقص والضعف وتتعامل معهم.
  • لذلك وضع الله في كتابه وفي سنة رسوله العوامل الرئيسية التي يجب على الرجل والمرأة اتباعها وأخذها بعين الاعتبار، لأنها تُعد أسس بناء العلاقة الزوجية في الإسلام، وتلك الأسس هي ما تضمن للزوجين السعادة والنجاح.

اقرأ أيضًا: طرق رومانسية لتجديد الحياة الزوجية

1- الالتزام بالحقوق والواجبات

الأساس في بناء العلاقة الزوجية في الإسلام هو معرفة واحترام جميع الحقوق والواجبات التي حددها الله في كتابه وفي سنة نبيه عليه أفضل الصلاة والسلام، وتم ذكرها على سبيل التحديد والحصر، ولا يصح أن يقدم المسلم على الزواج دون الإلمام بها جيدًا وعزم النية على تطبيقها على نفسه قبل زوجته.

أولًا: حقوق الزوج على زوجته

  • الطاعة: أمر الله الزوجة أن تطيع زوجها وتحترم رغباته، حيث قال الله تعالى (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۚ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ) النساء 34.
  • الإخلاص والوفاء: على الزوجة أن تصون زوجها وتتقي الله فيه ابتغاءً لمرضاة الله، لأن هذه القيم من أهم أسس بناء العلاقة الزوجية في الإسلام وهي اللبنة الأساسية في بناء الثقة والاحترام المتبادل، ويجب أن تخلص النية لله في وفائها ودعمها له لأن له أجر عظيم.
  • الصدق الأمانة: لا يصح أن تكذب الزوجة على زوجها أو أن تخفي عليه شيءً لأن حياتهما متوقفة على الصدق، ولأن الكذب يهدم الثقة والاحترام، ويزيد من الخلافات الزوجية، كما أن هذه القيمة لها عظيم الأجر عند الله تعالى.
  • الحفاظ على عرض الزوج: ليس من أخلاق الإسلام أن تتبرج أو تظهر زينتها لغير الزوج، أو أن ينفرد بها رجل أجنبي للحديث معها بحجة العمل أو التجارة، كما رفض الإسلام أن تتطلع الزوجة لغير زوجها بكلمة أو نظرة فاتنة.
  • الاستئذان قبل الخروج: هناك العديد من الزوجات البعيدات عن شريعة الله لا تعطي اعتبارًا لحرمة بيت الزوجية، وتخرج وقت ما يحلو لها دون استئذان، وتعتبر بعض النساء أن هذا جورًا على حريتها على الرغم من أنه حماية لها من أي مكروه، فالزوج هو المسؤول عن حمايتها ويجب أن يكون على علم بمكانها.
  • الإحسان إلى أهله: يجب على المرأة المسلمة احترام أهل زوجها وتوقريهم وتعتبرهم مثل أهلها، مما يدعم علاقتها بالزوج ولها أجر عظيم عن الله، فذلك يضفي جوًا من المودة والاحترام بين أفراد العائلة.

ثانيًا: حقوق الزوجة على الزوج

لا تقتصر الحقوق التي نص عليها الدين الإسلامي على الرجل فقط كما يزعم بعض المُشككين، لكن الإسلام أنصف المرأة في العديد من المواقف كما أن النبي عليه الصلاة والسلام، أوصى بالنساء عامة وبالزوجات خاصةً في سنته القولية والفعلية، وأكد على أن ظلم الزوجة ليس من سلوكيات الزوج المسلم.

  • تلبية طلباتها: على الزوج أن يلبي جميع الحاجات الأساسية للمرأة من مأكل وملبس، لأن النفقة واجبة على الزوج لا محالة، ولا يصح على الزوج المسلم أن يحرم زوجته من شيء، كما قال الله تعالى (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا)
  • توفير المسكن المناسب: يجب أن يكون سكن الزوجة آدميًا يحتوي على جميع سبل الراحة تجد فيه الستر والطمأنينة.
  • عدم الإضرار بالزوجة: من أهم أسس بناء العلاقة الزوجية في الإسلام مراعاة عدم إلحاق الضرر بالزوجة بالفعل أو بالقول، عن عبادة بن الصامت قول رسول الله (أن لا ضرر ولا ضرار).
  • حسن الظن بالزوجة: لا مانع في الإسلام من الغيرة المعتدلة التي تعبر عن الحب، لكن يجب على الزوج أن يجعل غيرته في حدود المعقول، ولا تتحول لشك أو إهانة لها واتهامها في شرفها وعرضها، لأن هذا فيه إضرار لها وليس من الإسلام.

2- المشاركة والدعم المتبادل

بالحديث عن بناء العلاقة الزوجية في الإسلام يجب مراعاة مفهوم المشاركة والتكافل بين الزوجين، لأن البيت المسلم لا يقوم على التسلط وفرض القرارات من طرف واحد، ولكن يقوم على التفاهم ومراعاة مصلحة الآخر ومصلحة الأسرة في المقام الأول، وقد كان النبي خير أسوة لنا في هذا الشأن.

  • قالت أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها عن النبي (كانَ في مِهْنَةِ أهْلِهِ تَعْنِي خِدْمَةَ أهْلِهِ فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ خَرَجَ إلى الصَّلَاةِ).
  • قد أوصى النبي على الزوجات لأن إكرام الزوجة فيه السعادة للأسرة واستقرار للبيت المسلم.
  • وضح النبي صلى الله عليه وسلم أن فضل الإحسان في العلاقة الزوجية له أجر عظيم عند الله، ويدل على صلاح الزوج حين قال (أكْمَل المؤمنين إيمانًا أحسَنُهم خُلُقًا، وخيارُكم خيارُكم لِنِسائهم خُلُقًا)، حديث حسَن صحيح.
  • على الزوج أن يساعد زوجته في أعمال المنزل قدر المستطاع لأن في ذلك قيمة معنوية كبيرة ودعم للعلاقة الزوجية، وفيه معنى المشاركة والتعاون مما يساعد على الوصول إلى الاستقرار في البيت المسلم.
  • يجب على الزوج المسلم أن يقدم الدعم لزوجته في جميع مناحي الحياة وأن يخفف من أعبائها النفسية والضغوطات التي تقع عليها من العمل.

اقرأ أيضًا: كيف أقضي على الخرس الزوجي

3- الرفق واللين في المعاملة

لنتمكن من بناء علاقة زوجية مستقرة في ضوء الشريعة الإسلامية علينا مراعاة المودة والرحمة التي أمرنا الله بها الله، من خلال المعاملة الطيبة والمعاشرة بالمعروف في الكلمة والفعل، وعدم استخدام الشدة والغلظة في حل المشكلات الزوجية، لأن هذا يوسع الفجوة بين الرجل والمرأة وليس من خلق الإسلام.

  • لا يجب على الزوج أن يحاكم المرأة على كل كبيرة وصغيرة لأن ذلك يشعرها بالضيق ويسبب الكراهية بين الزوجين، مما يؤثر بشكل كبير على جميع نواحي العلاقة الزوجية.
  • أوصانا الرسول عليه الصلاة والسلام بتقبل الزوجة وعدم انتقادها طوال الوقت كما نهانا عن الحديث الدائم عن العيوب وعدم ذكر الإيجابيات حين قال: (لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً؛ إِنْ كَرِهَ مِنها خُلُقًا رضِيَ مِنْهَا آخَرَ) رواه مسلم.
  • لا يقتصر اللين والرفق في المعاملة على القول فقط، بل يمتد إلى الأفعال أيضًا لذلك على الزوج أن يهتم بزوجته وسعادتها لأن فيها سعادته، فمثلًا عليه يقدم لها الهدايا كما أخبرنا رسول الله حين قال (تهادوا تحابوا).
  • لا يصح أن ترفع الزوجة صوتها على زوجها أو أن تقلل من شأنه، وعليها واجب الاحترام والتقدير له، وعليها أن تعلم أن كرامة زوجها واحترامه من احترامها وقيمته الاجتماعية من قيمتها.
  • علينا أن نتعلم خلق الرفق من النبي عليه أفضل الصلاة والسلام ونجعله منهجًا لنا في العلاقة الزوجية وغيرها، فكما قالت السيدة عائشة رضي الله عنها (ما ضَرَبَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ شيئًا قَطُّ بيَدِهِ، وَلَا امْرَأَةً، وَلَا خَادِمًا).

4- العدل والمساواة في الحقوق

لا يمكن أن نغفل عن العدل في بناء العلاقة الزوجية في الإسلام، وقد يعتقد البعض أن العدل في الزواج يكون في حالة التعدد والموازنة بين حقوق الزوجات، لكن في الحقيقة على الزوج أن يوازن بين حقوق زوجته وحقوقه، وألا يعطي لنفسه حق لا يعطيه لها، كما قال الله تعالى (وَلَهُنَّ مِثلُ الَّذِي عَلَيهِنَّ بِالمَعرُوفِ)

  • قد ينشغل الكثير من الأزواج بالعمل المُفرط أكثر من اللازم على حساب الزوجة أو يبالغ في جلسات السهر مع الأصدقاء، بينما يترك زوجته وحيدة في المنزل يرافقها الملل، وهذا ليس من أخلاق الإسلام.
  • كما أن بعض الزوجات تنشغل عن زوجها بالحديث في الهاتف أو تصفح الإنترنت بالساعات ولا تهتم لأمره وتقصر في حقه، مما يفتح بينهم أبواب الخصام.
  • لا يصح أن يظلم الرجل زوجته أو أن يجبرها على أخذ مالها بغير رضاها، لأن العلاقة الزوجية في الإسلام لا تبنى على الابتزاز والاستغلال وعلى كل زوج ألا ينسى قول النبي حين قال (اتقُوا الظُّلم فإنَّ الظُّلم ظُلماتٌ يومَ القيامَة) وعليه الرجوع إلى الله.
  • في حالة تعدد الزوجات يجب على الزوج أن يعدل بين زوجاته في الوقت والمال وفي أدق أمور الحياة الزوجية، وأن يعلم جيدًا أنه سوف يُحاسب على كل فعل يفعله مهما كان صغيرًا، حيث قال الله تعالى (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة).

اقرأ أيضًا: كيف اسعد زوجي العلاقة الزوجية الناجحة في الفراش؟

حل الخلافات الزوجية في الإسلام

ظهور الخلافات الزوجية أمر وارد في كل بيت، ولكن ما يميز البيت المسلم عن غيره أن حل الخلافات يكون وفق قواعد مُحددة وضعها الله سبحانه وتعالى؛ لأنه أعلم بعباده، ولأن العلاقة الزوجية مُقدسة فقد أمرنا الله بالحفاظ عليها قدر المستطاع، وعدم التفريط فيها والاستخفاف بها.

  • في حالة وقوع مشكلات أو خلافات يجب الاحتكام إلى القرآن والسنة وأخذ مشورة الفقهاء في هذا الشأن؛ للوصول إلى القرار الصحيح دون خلاف، أما في الأمور الدنيوية، على الزوجين مراعاة المصلحة العامة في اتخاذ القرار وعدم انشغال كل طرف بمصلحته الشخصية على حساب استقرار المنزل.
  • على الزوجين تبني الرفق واللين في المناقشة ولا داعي من الغلظة والشجار وتقليل كل طرف من الآخر، لأن المصلحة مُشتركة بينهم في النهاية وسعادة كل طرف مرتبطة بالطرف الآخر.
  • في حال لاحظ الزوج عصيان زوجته المستمر ونشوزها عن العلاقة الزوجية الصحيحة، والإصرار على عدم أداء واجباتها عليه أن يتعرف على السبب وراء ذلك، ومعالجته بالرفق واللين ومراعاة العوامل النفسية عند زوجته.
  • (اللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (34) وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا) النساء 34 – 35.
  • إذا لم ينجح رفق الزوج في علاج الأمر وتمادت المرأة في العناد فعليه الالتزام بأوامر الشريعة في التعامل مع زوجته، والتي تتمثل في هجر الزوجة في العلاقة الحميمية كنوع من الزجر والتعبير عن عدم الرضا عن سلوكها.
  • إن لم يجدي هذا العقاب فقد أمرنا الله تعالى في كتابه الحكيم بالضرب غير المبرح، قد يفيد في بعض الحالات دون إلحاق الضرر وإنما هو تعبير صريح من الرجل عن عدم الرضا، وأنه استنفذ جميع سبل العقل والحكمة معها، ولأنها لا تلتزم بما أمرها الله به، وأمرنا الله بذلك للحفاظ على العلاقة الزوجية في الإسلام.

تعتبر العلاقة الزوجي علاقة مقدسة في الإسلام وعلى كل من الزوجين مراعاة الأسس الإسلامية في بناء البيت المسلم للوصول إلى حياة زوجية مستقرة وهانئة والفوز في الدنيا والآخرة.