لا يكن ظنك إلا سيئاً إن سوء الظن من حسن الفطن.. أبيات قيلت وحملت بين طياتها معان عدَّة، نعلمُ أن هناك فارق بين حسن الظن وسوء الظن، أحدهما يؤول إلى تعاسة محققة والآخر به مأمن من الأذى، لنا أن نعلم ذلك تفصيلًا عبر موقع سوبر بابا.

لا يكن ظنك إلا سيئاً إن سوء الظن من حسن الفطن

وجدنا في أكثر من ديوان شعريّ كثير من الأبيات التي تحدثت عن الشيم والصفات العلا، فأعلت من قدرها، وحثت على التحلي بها.. بيد أنّ أبيات أخرى كان لها صدى تناولت الأخلاق المشينة، فحذرت من يتصف بها.

لا يَكُن ظَنُّكَ إِلّا سَيِّئاً

إِنَّ سوءَ الظَنِّ مِن أَقوى الفِطَن

ما رَمى الإِنسانَ في مَخمَصَةٍ

غَيرُ حُسنِ الظَنِّ وَالقَولِ الحَسَن

أولًا: لمن تنسب الأبيات؟

أبيات نسبت للإمام الشافعي وقيل إنه ليس بقائلها، لأن معناها يتنافى مع أوامر الشريعة الإسلامية، أما عن الشافعيّ فقد اتسم برجاحة العقل والإيمان الحق، والتزامه بمبادئ الدين الإسلامي، فكيف له أن يأمر بما ليس هو مأمور به.

حتى لو ثبت أنه قالها، فهو في المقام الأول ليس معصومًا من الخطأ، وفي المقام الثاني يؤخذ من كلامه الصواب.

ثانيًا: معنى الأبيات

أما عن معنى الأبيات ففيها وجوب الاحتراس من الناس لأنه من الحزم، فكثير من حسن الظن والكلام المعسول يوقع بصاحبه في التهلكة.

لكن لا يكون سوء الظن في المطلق والعموم، لأن المسلم مأمور بحسن الظن بالله والناس، وما أدلّ على ذلك من قول الله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ” سورة الحجرات الآية 11

ثالثًا: الباطل في الأبيات

  • الأمر بسوء الظن بشكل صريح هو باطل ولا يصح.
  • القصر بأن الظن لا ينبغي إلا أن يكون سيئًا، وهو أمر خاطئ.
  • اعتبار أن سوء الظن من قبيل الفطنة يعتبر من الحماقة والسفاهة.
  • النظر إلى حسن القول باعتباره سبب للمشكلات يتنافى مع الأمر الإلهي بالقول الحسن.. والذي يعني الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والعفو والصفح.

اقرأ أيضًا: إحسان الظن بالناس في الإسلام

هل سوء الظن من الفطن؟

من غير العدل في التعامل الإنساني أن يجعل المرء أمام ناظريه سوء الظن، بل ويتخذ ذلك سبيلًا في كل ما يفعل ويقول.. فسيكون الشقاء حليفه لا محالة، ولا يجد أمانًا بين بني البشر.

ستملأ الأحقاد قلبه، وما يكون بينه وبين الناس إلا البغضاء؛ لذا لا يُعتد بسوء الظن من الفطنة دائمًا وأبدًا، حتى مع اعتبار أن حسن الظن أحيانًا ما يقود صاحبه إلى الشقاء.

إنَّ بعض الظن إثم

من خلائق ذوي الألباب والنهى الجمع بين حسن الظن وأخذ الحيطة والحذر، فالمؤمن فطن كيّس.. لا يلقي بيده إلى التهلكة، ولا يجعل سوء الظن في شيمه.

لم يخبرنا الله تعالى أن الظن كله يجب أن يكون سيئًا، وكذا لم يأمرنا بأن نأخذ من الخداع طريقًا للتعاملات.. حتى نأمن ونستقر، فللمرء مخير فيما يختار من القيم التي حباه الله إيّاها.

بل إن سوء الظن يجر إلى المهالك، حيث تنعدم الثقة، ويغيب النقاء، وتتبعه الشرور.. وما أدلّ على ذلك من قول خير خلق الله بأن أشر الناس هم من يسيئون الظن بغيرهم.

فلعلّ الأرجح أن تجعل حسن الظن أحرى بك من سوء الظن، وما إن يثبت العكس لك أن تتخير أمر ربك فيه، فإن ظُلمت سيرد لك حقك.. لكن إياك أن تكون ظالمًا!

فالشريعة الإسلامية السمحة هي التي دعتنا إلى حسن الظن بالناس، فالله أعلم بالأنفس وما تخفي الصدور، ولنا أن نحسن الظن بقليل من الفطنة والاحتراس.. حتى لا نغدو فريسة مكر أحدهم.

فقد أخبرنا الله تعالى ورسول الله –صلوات الله وسلامه عليه- أن بعض من الظن والتخون يُلحق بصاحبه الإثم، لأنّ الظن أحيانًا بالسوء لا يمكون في محله، فتجنبه هو الأولى.

كذلك فالخير في أمة رسول الله إلى يوم القيامة، وطالما كان ذلك فلا داع لتخوين البعض من الأقارب والأهل والجيرة، ولا داع لاتهامهم إلا بيقين محض، حتى لا يُدخل المرء بنفسه في براثن سوء الظن وعواقبه الوخيمة.

اقرأ أيضًا: معنى اللعان في الإسلام

متى يكون توقع الأسوأ ضرورة؟

حتى نكون أكثر إنصافًا علينا أن نشير إلى أنَّ توقع الأسوأ من الغير أحيانًا تكون محض ضرورة.. فهناك من بني البشر غير صادقي النوايا، يُظهرون خلاف ما يُبطنون، فلا يستحقون إثر ذلك الإحسان أو الظن الحسن.

فكثيرٌ منهم يحملون الحقد والحسد ولا يكنّون إلا الشرور والأذى، فنجاح منك يؤذيهم، ونعمة تظهر عليك تؤرقهم، فلا يستحقون إذًا إلا سوء الظن والحذر.

لكن هذا لا ينفي أن توقع النية السيئة في المُطلق ليس بصواب، فالشك الدائم لا يجعلك تأمن غير نفسك، لكونك لا تقدر على أن تأمن الناس.

لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين

اعتبارًا بأن سوء الظن يُهلك صاحبه، وبالنظر إلى عدم سلامة الأبيات “لا يكن ظنك إلا سيئاً إن سوء الظن من حسن الفطن” فإننا نؤكد على أن سلامة النية هي الأولى في المقام الأول عند التعاملات.

بيد أن المرء يجب أن يُرفق حسن نيته بالحذر، فما إن سلمت نيته لمن لا يستحقها، يكون أجره عند الله عظيمًا، لكن عليه أن يحذر في المرة الثانية حينما يتعامل مع من لا يستحق سلامة نيته.. لنصل بذلك إلى حقيقة مفادها أ، حسن الظن لا يتعارض أبدًا مع الحذر والفطنة.

اقرأ أيضًا: ما لا تعرفه عن سبحان الله

الفرق بين الحذر وسوء الظن

بناءً على ما سبق، وفي استكمال شرح الأبيات “لا يكن ظنك إلا سيئاً إن سوء الظن من حسن الفطن” نرى أنّ المحترز هو ما يكون صنيعه مضافًا للتأهب والاستعداد.. حيث إنه يأخذ الأسباب التي يُمكن أن تكون سببًا لنجاته من الأذى.

فهذا هو الصواب والمعنى الجائز في سوء الظن، بيد أن امتلاء القلب بالظنون السيئة تجاه الغير فتتشرب منها جوارحه وقلبه وعقله هو المنهيّ عنه، وهو بمنأى عن معنى الاحتراز والحذر أو حتى الفطنة.

كذلك هناك فارق واضح بين الفراسة وسوء الظن، لأن الفراسة هي الدلائل التي تراها فيمن تتعامل معه، فتتوسم فيه أمرًا.. فما إن كان سوءًا لا تتفوه به ولا تفضحه، فيكفي أن تحكم عليه سرًا في نفسك، فتحترس.

فالمنظومة الإسلامية جعلت أخلاق المؤمن في وسطية واعتدال، فلا هو بساذج فيُخان ولا هو بسيء الظن فيُخون الناس، فطالما لم يكن لديه أسبابه التي تدفعه إلى الظن فإنه يتهم غيره بالباطل.

وعلى العكس، ما إن ظهرت بوادر الأذى من غيره وقد تجاهلها فهو ساذج ليس بفطن.. فالأولى بين هذا وذاك أن يكون حسنًا للظن حتى يثبت عكسه فيكون حذرًا بفطنة وكياسة.

لا أحسبُ لبيبًا يجسد سوء الظن باعتباره فطنة منه أو يجعل من حسن الظن قائدًا له إلى المهالك.. فالفطن الكيّس هو من يدرك الفارق بينهما.