فضل صلة الرحم وعقوبة قاطعها من القضايا الجللة دينيًا واجتماعيًا، فقد أوصى الله -عز وجل- في القرآن الكريم وعلى لسان نبينا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام على أهمية صلة الرحم وأجرها العظيم، كما نهى سبحانه وتعالى عن قطع الأرحام وتوعد الله فاعلها بأشد العقاب، ومن خلال موقع سوبر بابا نتناول هذا الموضوع.

فضل صلة الرحم

يعتبر مفهوم صلة الرحم في الدين الإسلامي أساسيًا ولا خلاف فيه، فقد نص الإسلام في مواضع كثيرة على أهمية صلة الأرحام والتقارب والتآلف بين أعضاء العائلة الواحدة وأهمية ذلك في الدنيا والآخرة.

المقصود بصلة الرحم هو الحث على زيارة الأقارب وعدم مقاطعتهم والاهتمام لأمرهم، ويعرفه بعض الفقهاء بالوصل ليس معنويًا فقط بل وماديًا إذا تطلب الأمر، والرحم في الإسلام مفهوم يشمل كافة الأقارب من غير تفريق أو تفضيل.

الأرحام تعني الأقارب نسبة إلى الرحم لكونهم من رحم واحد وهو رحم الأم، وذلك حسب وصف القرآن الكريم (وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ)، كما استحب الدين الإسلامي فضل تقديم الأرحام على غيرهم من الناس لقوله تعالى: (وَأُولُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ) فقد ميزهم الله وجعل لهم الأولوية.

ذكر الله -سبحانه وتعالى- في عديد من المواضع في القرآن الكريم دلالة على أهمية صلة الرحم وتأثيرها الواضح على الأسرة بل وعلى المجتمع ككل، وأمر المؤمنين بالحفاظ عليها وعدم تضييعها.

كما أكد رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام على أهمية صلة الرحم وأهمية دورها في المجتمع الإسلامي، وشدد على عدم التفريط فيها ولدينا الكثير من الأحاديث الشريفة التي تؤكد ذلك.

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال عن رسول الله: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخـر فليـكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت)، وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال عن الرسول –صلى الله عليه وسلم-: (من أحب أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره، فليصل رحمه).

اقرأ أيضًا: من هم صلة الرحم بالترتيب

عقوبة قاطع الرحم

لا خلاف بين الفقهاء في وجوب صلة الرحم وعقوبة قاطعها الشديدة، فقطيعة الرحم من الكبائر وجاء ذلك الحكم استدلالًا بما جاء في آيات القرآن الكريم وفي السنة النبوية المشرفة.. وقد نقل الاتفاق على وجوبها القرطبي والقاضي وغيرهم.

إن قطيعة الرحم هي إثم عظيم وذلك بإجماع الفقهاء، ولقد وردت لنا الكثير من الآيات التي تلعن قاطع الرحم في الدنيا والآخرة، وتتضمن وعيدًا شديدًا من الله -عز وجل- لقاطع الرحم ومن أمثلة هذه الآيات الكريمة.

  • قوله تعالى: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ) سورة محمد الآية 23
  • قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَ َهُمْ سُوءُ الدَّارِ) سورة الرعد الآية 25

مثلما أكد نبينا الحبيب على أهمية صلة الأرحام وفضلها في الدنيا والآخرة أكد أيضًا عليه أفضل الصلاة والسلام على عقوبة قاطع الرحم وسخط الله عليه في الدنيا والآخرة، فعن عائشة رضي الله عنه، عن النبي أنه قال: (الرحم متعلقة بالعرش تقول: من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله).

عن أبي بكر -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه بالعقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم). وتبين هذه الآيات الكريمة فضل صلة الرحم في الإسلام وعقوبة قاطعها.

اقرأ أيضًا: فوائد صلة الرحم في الدنيا والآخرة

كيفية صلة الرحم

مفهوم صلة الرحم إجمالًا يقصد به التقارب والرعاية بين أبناء العائلة الواحدة على اتساعها، وتتنوع الطرق التي تتم بها صلة الرحم على حسب كل حالة واحتياجاتها، فقد يحتاج بعض الأرحام إلى الاهتمام ويحتاج البعض إلى الدعم المعنوي وآخرون الدعم المادي.. وعلى المسلم أن يهتم لأمر أرحامه ويصلهم ويقدم لهم ما يحتاجون قدر استطاعته.

أولًا: صلة من يقطع الرحم

يزيد الأجر والفضل لواصل الرحم عندما يصل من قطع رحمه، وقد بيّن الرسول عليه الصلاة والسلام ذلك في قوله: (ليسَ الواصِلُ بالمُكافِئِ، ولَكِنِ الواصِلُ الذي إذا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وصَلَها).

فتكون حينها هذه الطاعة خالصة لوجه الله -عز وجل- وليس لاكتساب مكانة عند الناس، وعلى المسلم أن يبين لهذا الشخص الذي قطع رحمه فضل صلة الرحم في الإسلام وعقوبة قاطعها.

ثانيًا: الصدقة على الأرحام

أحيانًا يكون أحد الأقارب أو أفراد العائلة غير مقتدر ماديًا أو يمر بضائقة ما، هنا يتوجب على المسلم الواعي من ذوي هذا الشخص أن يدعمه ماديًا ومعنويًا وتكون الصدقة هنا لها أجر كبير، فيتضاعف فضل صلة الرحم عندما يكون مصحوبًا بصدقة.

فقد أكد الرسول -عليه أفضل الصلاة والسلام- على ذلك بقوله: (إنَّ الصَّدقةَ على المسْكينِ صدقةٌ وعلى ذي الرَّحمِ اثنتانِ صدَقةٌ وصِلةٌ) مع التأكيد على أهمية الإخلاص في النيّة لله.

عندما تنفق على من تصل رحمهم حتى ولو بالقليل يبسط الله في رزقك وتزيد البركة في عمرك وأموالك وأولادك.. كما تعمل صلة الرحم الدائمة على توثيق مشاعر الأخوة والمودة والتكاتف، مما يؤدي في النهاية إلى بناء مجتمع مسلم متضامن.

ثالثًا: الإصلاح بين الأرحام

على المسلم أيضًا أن يصلح بين أرحامه إذا حدث بينهم شقاق أو نزاع فينال حينها أجر الدلالة على الخير وأجر صلة الرحم، مع الحرص الإقساط بينهم وعلى إعطاء الحقوق لأصحابها.

قال تعالى: (لَّا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّـهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) سورة النساء الآية 114، فقد أكد الله -عز وجل- على فضل صلة الرحم وعقوبة قاطعها.

رابعًا: النصح والإرشاد

لا يقتصر الأمر على الاهتمام والمساعدات فقط، فعلى المسلم الواعي أيَضًا أن يقوم بنصحهم وإرشادهم والدعاء لهم بالهداية، إضافة إلى ذلك زيارة المريض وتلبية الدعوة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

اقرأ أيضًا: قطع الأرحام في القرآن

الأرحام الواجب صِلتهم

صلة الرحم يتأكد وجوبها بحسب درجة القرابة، كلّما ازدادت القرابة تأكّدت الصلة وزادت شدّتها، والمقصود بمصطلح (الأرحام) هم جميع الأقارب من جهة الأب، والأم، بتفرعهم.

كما بيّن ذلك ابن حجر الهيثمي، وأضاف استحباب صِلة الجيران، والأصدقاء، وإكرامهم، والاهتمام لأمرهم، ففي النهاية يعتبر المسلمون جميعًا أخوة حتى وإن لم يكونوا من ذوي الأرحام، ولقد أمرنا الرسول الكريم بالتكاتف والترابط بيننا كإخوة في الإسلام.

ما يضبط صلة الرحم اختلاف الأوضاع والظروف وسعة وضيق الوقت، لكنه واجب في جميع الحالات، مع تجنُّب المحرمات خُلوة، أو نظرة مُحرَّمة، أو التدخُّل في شؤون الناس.

عندما يوثق المسلم علاقته بأرحامه يعود هذا السلوك بالأثر الإيجابي عليه في الدنيا والآخرة، فصلة الرحم تؤدي إلى محبة الله ومحبة الناس.