حوار بين شخصين عن بر الوالدين وعقوقهما يُرسخ في أذهان الأبناء أنّ البرّ والإحسان إلى الوالدين يأتي بعد عبادة الله سُبحانه وتعالى، ويكون من الأهمية البالغة إن طُرح في زمان كزماننا هذا تتجلى فيه قسوة الأبناء على الآباء.. لذا حرصنا على تقديمه من خلال موقع سوبر بابا.

حوار بين شخصين عن بر الوالدين وعقوقهما

إنَّ بر الوالدين عادة ما يقترن بعبادة الله وعدم الشرك به.. إذ أمر الله بالإحسان إليهما في القرآن فقد قال الله تعالي: “وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا” (سورة الإسراء آية 23)

هذا إنما يدل على عظيم البر، فجاء الأمر به في كل الآيات مقرونًا بالعبادة، وكأنه يقول لا عبادة دون بر، ولا بر دون العبادة، لذا سنرى كيف أن حوار بين شخصين عن بر الوالدين وعقوقهما يصل بما يشمله من رسائل إلى مسامع الآخرين ويؤثر فيهم، وهذا الحوار بين معلم وتلميذه.

المعلم: هل تريد شيئًا يا عمر؟

التلميذ: نعم يا معلمي الفاضل، أريدك أن تحدثني اليوم عن بر الوالدين وعقوقهما، فأنا أعلم أنه موضوع غاية الأهمية ولكنني أغفل عنه كثيرًا.

المعلم: بارك الله فيك يا عمر، حسنًا سأخبرك عن البر والعقوق في الإسلام.

اقرأ أيضًا: حوار بين الأم وابنتها عن صلة الرحم

بر الوالدين في الإسلام

حدثتنا الشريعة الإسلامية كثيرًا عن بر الوالدين واعتنت بذلك، فتكرر أمر البر بهما في القرآن والسنة، وحذرنا الله -عز وجل- من عقوقهما وبين أنً برهما من طاعة الله -عز وجل- فما موقف الإسلام من بر الوالدين؟

المعلم: بر الوالدين يا بني يقصد به أن تحسن طاعتهما وتتأدب معهما وتسعدهما، تبذل كل وجوه الخير لأجلهما، حيث قال -عز وجل-:

  • في سورة الإسراء: “وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23).
  • في سورة العنكبوت: ” وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا ۖ وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۚ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (8)“.
  • سورة البقرة: وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِّنكُمْ وَأَنتُم مُّعْرِضُونَ (83)“.
  • في سورة النساء: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا (36)“.

كل هذه الآيات يا ولدي تأمرنا ببر الوالدين وإظهار الرفق واللين معهما، وكلها قرنت بعبادة الله عز وجل، لذا فإن العاق لوالديه لا يستطيع أن يعبد الله حق عبادته، فكلاهما مفتقر للآخر.

التلميذ: نعم، وكنت قد سمعت حديثًا عن بر الوالدين يقول عن الرسول –صلى الله عليه وسلم- قال:

“جَاءَ رَجُلٌ إلى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، مَن أحَقُّ النَّاسِ بحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قالَ: أُمُّكَ، قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أُمُّكَ، قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أُمُّكَ، قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أبُوكَ“.

المعلم: أحسنت يا عمر، وهناك الكثير من الأحاديث الأخرى التي تحدثت عن بر الوالدين منها:

  • ما رواه عبد الله بن عمرو قال: “أَقْبَلَ رَجُلٌ إلى نَبِيِّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ فَقالَ: أُبَايِعُكَ علَى الهِجْرَةِ وَالْجِهَادِ، أَبْتَغِي الأجْرَ مِنَ اللهِ، قالَ: فَهلْ مِن وَالِدَيْكَ أَحَدٌ حَيٌّ؟ قالَ: نَعَمْ، بَلْ كِلَاهُمَا، قالَ: فَتَبْتَغِي الأجْرَ مِنَ اللهِ؟ قالَ: نَعَمْ، قالَ: فَارْجِعْ إلى وَالِدَيْكَ فأحْسِنْ صُحْبَتَهُمَا.(صحيح مسلم).. فالنبي صلى الله عليه وسلم بذلك بين أن رعاية والديه وبرهما بمنزلة الجهاد في سبيل الله.
  • ما رواه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: “سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي العمل أحب إلى الله قال الصلاة على وقتها قال ثم أي قال ثم بر الوالدين قال ثم أي قال الجهاد في سبيل الله، قال حدثني بهن ولو استزدته لزادني“.
  • جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: “يا رسولَ اللَّهِ إنِّي كنتُ أردتُ الجِهادَ معَكَ أبتغي بذلِكَ وجْهَ اللَّهِ والدَّارَ الآخرةَ قالَ ويحَكَ أحيَّةٌ أمُّكَ قُلتُ نعَم قالَ ارجَع فبِرَّها ثمَّ أتيتُهُ منَ الجانبِ الآخَرِ فقلتُ يا رسولَ اللَّهِ إنِّي كنتُ أردتُ الجِهادَ معَكَ أبتغي بذلِكَ وجهَ اللَّهِ والدَّارَ الآخرَةَ قالَ وَيحَكَ أحيَّةٌ أمُّكَ قلتُ نعَم يا رسولَ اللَّهِ قالَ فارجِع إليْها فبِرَّها ثمَّ أتيتُهُ من أمامِهِ فقُلتُ يا رسولَ اللَّهِ إنِّي كنتُ أردتُ الجِهادَ معَكَ أبتغي بذلِكَ وجْهَ اللَّهِ والدَّارَ الآخرةَ قالَ ويحَكَ أحيَّةٌ أمُّكَ قُلتُ نعَم يا رَسولَ اللَّهِ قالَ ويحَكَ الزَم رِجلَها فثمَّ الجنَّةُ.

فكل هذه الأحاديث تدل على عِظم بر الوالدين وعناية الشرع بهما، حتى لا يغفل أحد عنهما.

التلميذ: حقًا يا معلمي إن له فضل عظيم، حسنًا هلا أخبرتني كيف أعلم أني غير مقصّر في برهما؟

المعلم: بأن تؤدي جميع حقوق والديك عليك.

التلميذ: حقوق والدي عليّ!

المعلم: أجل يا عمر.

التلميذ: وما هي حقوق والدي عليّ إذًا؟

اقرأ أيضًا: حوار بين شخصين عن التعاون وفوائده

حقوق الوالدين

ليس كثيرًا على أمٍّ تعبت وسهرت وعلى أبٍ جاهد وكدّ واجتهد من أجل راحة ولدهما وإشباع رغباته، أن يُقدم لهما التقدير والاحترام، والرفق واللين بهما.

المعلم: للوالد على ولده بعض الحقوق، من أهمها يا ولدي:

  • الإحسان إليهما بطاعتهما، والتودد منهما، وقربهما، وإسعادهما، والتخلق معهما.
  • الإنفاق عليهما وكل وجه من وجوه الخير، فإن برهما وصية الله لنا.
  • الرفق والرحمة بهما، وترك الكلام لهما، وعدم التقدم في المشي عليهما احترامًا وتقديرًا لهما.
  • التواضع لهما وإظهار الضعف والحاجة لهما.
  • عدم التحدث معهما بصوت عالٍ، وعدم إزعاجهما في أي وقت.
  • اختيار ألطف الكلمات وأرقها عند الحديث معهما.
  • إظهار مزيد من الرفق والرحمة بهما في كبرهما وعدم التأفف من كثرة مطالبهما.
  • الدعاء لهما أحياءً وأمواتًا، بالرحمة والمغفرة، وقد قال الله -عز وجل- عن هذا في سورة الإسراء: “وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24)”.
  • مزيد العناية بالأم والبر بهما فهي من سهرت وتعبت وتحملت ألم الحمل والولادة والرضاعة.
  • الثناء عليهما وشكرهما وذكر أفضالهما أمامهما.
  • دوام طاعتهما والإحسان إليهما حتى إن كانا غير مسلمين والصبر عليهما ما داما لا يأمراه بمعصية، فقد قال الله -عز وجل- في كتابه العزيز: “وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ۖ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ۚ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (15)”.

التلميذ: جزاء الله خير الجزاء يا معلمي، قد أوضحت لي ما كان مبهمًا في أمر بر الوالدين، فكيف يكون المرء إذًا عاقًا بوالديه؟

المعلم: وجزاك خيرًا يا ولدي، إن المرء يصير عاقًا حينما لا يعطي والديه حقوقهما التي ذكرتها مسبقًا، وسأخبرك بشكل مفصل لتعرف الفرق بين بر الوالدين وعقوقهما.

اقرأ أيضًا: حوار بين شخصين عن الاحترام قصير جدًا

عقوق الوالدين وعقوبته

إنَّ الله -عز وجل- وضع أمام العبد طريقان، وأمره بما فيه صلاحه ومن ذلك بر الوالدين، فقد أمره ببرهما ونهاه عن عقوقهما وجعله أكبر الكبائر لما فيه من إثم عظيم.

المعلم: جعل الله عقوق الوالدين من أكبر الكبائر، وساوى بين العاق وبين المشرك بالله، ووصى بعبادته -عز وجل- مع البر بالوالدين فقال تعالى في سورة لقمان: “أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) “.. لذا فإن عقوق الوالدين من الكبائر والدليل على ذلك قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: “لَا يَدْخُلُ الجَنَّةَ قَاطِعٌ. قالَ ابنُ أَبِي عُمَرَ: قالَ سُفْيَانُ: يَعْنِي قَاطِعَ رَحِمٍ.

التلميذ: يا للعقوق من إثمٍ عظيم.

المعلم: أجل يا ولدي، لذا على كل عاق بوالديه المبادرة في التوبة والرجوع إلى الله.

التلميذ: وكيف يتوب العبد عن عقوق الوالدين يا معلم؟

المعلم: إذا أراد العبد التوبة من أي ذنب ليس فقط العقوق، فعليه بالندم والرجوع إلى الله.. فمن ندم على ما فعل فقد تاب، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: “الندمُ توبةٌ“.

كما أنّه عليه حُسن الظن بالله ويدرك أنه هو التواب الرحيم، لا يرفع العبد يده ويتركهما خاويتين أبدًا، كما عليه إظهار كل أوجه البر والإحسان لوالديه، ويكثر من الدعاء لهما.

التلميذ: جزاك الله كل خير يا معلمي، وعلى عهدٍ أنني سأبذل قصارى جهدي من أجل برهما وعدم عقوقهما.

إنَّ طاعة الوالدين وبرهما من أسباب السعادة في الدارين، فهنيئًا لمن مات ووالداه عنه راضيان، فقد ظفر ونال الجنان.