يُمكن تحليل الأزمة الروسية الأوكرانية بالنظر إلى أبعادها التاريخية والاستراتيجية، باتت تطورات الأزمة بين روسيا وأوكرانيا محط اهتمام الساحة الدولية، فهي القضية الأكثر أهمية الآن، أهم من أزمات الاقتصاد الروسي والكساد في اقتصاد بلاد اليورو الأوروبي.. وفي موقع سوبر بابا نوافيكم بأهم أسبابها وتداعياتها.

تحليل الأزمة الروسية الأوكرانية

كثرت الالتباسات حول الأزمة الروسية الأوكرانية، منذ أن تصاعدت وتيرتها، وتحولت إلى حرب، والتي تعزو إلى تعقدها من الجانبين السياسي والعسكري معًا.

بينما استقلت أوكرانيا عن الاتحاد السوفيتي السابق ظلت العلاقات بينها وبين روسيا في توتر دام لسنوات، بل وما زاد الأمر سوءًا مُساعدة الغرب للأوكرانيين، وتشكيل حكومة أوكرانية موالية للغرب.

تحت ذريعة حماية الرعايا الروس قامت روسيا بضم “شبه جزيرة القرم” في 2014م، وتحت تخوّف من الدبّ الروسيّ من حلف الناتو الغربي.. أعلنت الحرب على أوكرانيا في مُحاولة منها لتحييدها على أقل تقدير، حتى تكون منطقة رمادية بينها وبين الولايات المُتحدة الأمريكية.

بالنسبة لروسيا.. تبدو العلاقات الأوكرانية الروسية أكثر أهمية عما كانت تبدو عليه سلفًا، وفي سياق الوضع الحالي لا توجد أي مؤشرات على إمكانية تطبيع العلاقات بينهما قريبَا، فقد حلّ العداء محلّ التعاون والدبلوماسية.

لاسيما في ظل المساعي الأمريكية والغربية لإبعاد أوكرانيا عن دائرة النفوذ الروسي، بل وإمكانية دعمها عسكريًا إن تطلب الأمر.

اقرأ أيضًا: هل تعلم عن حرب اكتوبر مكتوبة

أبرز الملامح السياسية في الأزمة الروسية الأوكرانية

يُمكن تحليل الأزمة الروسية الأوكرانية من خلال رصد الملامح السياسية غير المسبوقة في عدة مظاهر.

  • دور جامعة الدول العربية: فقد شكلت مجموعة اتصال عربية بممثلي مصر والجزائر والأردن والعراق.. لبحث الطرق المواتية لحل الأزمة القائمة.
  • استخدام المرتزقة: منعطف خطير في الحروب النظامية باعتماد أطراف النزاع على استقدام المرتزقة، مما يُهدد الأمن الأوروبي في حال بقاء أولئك المرتزقة بعد انتهاء الحرب.
  • التضامن الغربي مع أوكرانيا: والصراع على أوجّه لوحظ تكرر زيارات الدول الغربية إلى أوكرانية، للتضامن والدعم، وحشد التأييد الدولي لها.
  • الازدواجية في المعايير: والتي تجلت في تعامل الغرب مع القضايا الدولية، ففي تلك القضية حشد الغرب قواه لدعم أوكرانيا، في حين أنه لم يُحرك ساكنًا في قضايا أخرى كالقضية الفلسطينية على سبيل المثال.
  • العقوبات الغربية: لم تكن المرة الأولى التي تفرض فيها واشنطن عقوبات على موسكو، إلا أن تلك المرة كانت الأكثر في العدد والأشد في النوع، والأكثر سرعة كذلك في التنفيذ.. وامتدت لتشمل بيلاروسيا على إثر تأييدها للروس، فكانت العقوبات بمثابة فرض العزلة الدولية على روسيا.
  • حرب الوكالة: فقد استعمل حلف الناتو بشكل واضح أوكرانيا في إعلان العداء على الروس، باستخدام كافة وسائل الدعم.. وهذا ما صرّح به بوتين مُطالبًا وقف الدعم الغربي والإمداد بالسلاح.
  • تسييس المنظمات الدولية: حينما دعا الرئيس الأوكراني طرد روسيا من مجلس الأمن وألا يكون لها حق الفيتو، ناهيك عن مجلس الاتحاد الأوروبي الي علق عضوية روسيا وبيلاروسيا في مجلس دول بحر البلطيق.. هذا ما يعني إدخال المنظمات الداعية للسلام والأمن العالمي وحماية سيادة الدول وحقوق الإنسان في المعركة القائمة.
  • التقارب الأمريكي الأوروبي: فقد أثبتت تلك الأزمة أن الولايات المتحدة الأمريكية هي من تتصدر المشهد على الساحة، وكانت الأكثر دعمًا ماليًا وعسكريًا لأوكرانيا.. ناهيك عن استعداد أوروبا إلى الانخراط في الصراع بشكل غير مباشر.
  • بروز دور القائد السياسي: وفقًا لتحليل الأزمة الروسية الأوكرانية تبيّن الدور المحوري للقائد السياسي وقت الأزمات، لأن شخصية كلًا من بوتين وزيلينسكي كان لها دورًا كبيرًا في مسار الحرب، بين صلابة بوتين وحزمه وتأثير زيلينسكي في أسلوب إدارته للأزمات.

ما هدف بوتين من الغزو الروسي؟

لقد أشار بوتين إلى الشعب الروسي أن هدفه من غزو أوكرانيا يتمثل في نزع السلاح وحماية من تعرض إلى الإبادة الجماعية فيها من قِبل حكومة أوكرانيا.

كما أكد بدوره على أن احتلال أوكرانيا لا يتوق إليه، ولا ينوي فرضه بالقوة.. لكن في حقيقة الأمر لم يكن هناك أي إبادة جماعية ولا نازيون، فقد واصلت روسيا القصف على الأراضي الأوكرانية.

رغم هذا هناك تقارير أثبتت أن بوتين لم يسعِ إلى الإطاحة بحكومة أوكرانيا، فقط يصبو إلى أن تكون أوكرانيا مُحايدة لا تابعة للغرب.

فقد كان سلفًا يزعم أن الشعب الروسي والأوكراني شعبًا واحدًا، وبهذا اتهم حلف الناتو أنه يُهدد المستقبل التاريخي لروسيا زاعمًا أن دول الغرب تسعى إلى نقل الحرب للقرم، ولذلك هاجم أوكرانيا.

أهمية أوكرانيا في احتواء التوسع الروسي

في كثير من الدراسات الغربية تُعتبر أوكرانيا هي ثقل الميزان الروسي، وبعد التقارب بين أوكرانيا وحلف شمال الأطلسي زاد التخوف الأوكراني من أن تصبح الدولة هي المنطقة العازلة بين روسيا والعالم الغربي؛ مما لا يُتيح لها التعاون مع ما تُريد.

أهم القضايا التي اعتُبرت محل خلاف بين الدولتين هو تمركز الأسطول السوفيتي في جزيرة القرم، ومن يُسيطر عليها يتحكم في البحر الأسود برمته، لذا من الأهمية الجللة للروس إقامة علاقات مع أوكرانيا.

  • جزيرة القرم لها أهمية جيواستراتيجية لأوكرانيا.
  • كثير من الأسلحة الروسية أنتجت في مصانع عسكرية أوكرانية.
  • أكثر من نصف مكونات الصواريخ الباليستية العابرة للقارات هي صُنع أوكراني، والتي بإمكانها تحمل 80% من الرؤوس الحربية في روسيا.

اقرأ أيضًا: كم عدد الجنود المصريين الذين قتلوا في حرب الخليج

هل ستنهي روسيا حربها؟

هي عادة القوى العظمى، ما إن كانت أيّا من الدول مُهددة لها ولنفوذها، تعمل على سحقها، ولا تتردد في تدميرها.. هذا هو ادعاء بوتين الرئيس الروسي، فقد أطاح بالسلام في أوروبا ليشن حربه على دولة ديموقراطية مأهولة بالسكان.

فأوكرانيا المعاصرة في نظر بوتين ما هي إلا دولة ذات ميول غربية، فهي موالية إذًا.. لذا يعتبرها تهديدًا دائمًا لدولته، ولا زال هدفه من الحرب على أوكرانيا غامضًا.

فهو لم يعتبرها حرب بمعنى الكلمة، إنما على حد قوله مُجرد عملية عسكرية حربية، فإن كان هدفه من الغزو على أوكرانيا تحقيق انتصار سريع بإقالة الحكومة الأوكرانية الراغبة في الانضمام لحلف الناتو “الحلف الأمريكي الغربي”.. إلا أنّ مثل تلك الأهداف تقلصت حينما بدأ الغزو، فلا يعلم البعض ماذا يريد بوتين؟

مطالب روسيا وأوكرانيا في الحرب

يعتقد المُستشار الأوكراني “ميخايلو بودولياك” أنّ القوات الروسية باتت عالقة في مواقعها، وسيتوقف إطلاق النار، وسيدخل البلدان في مفاوضات تكون مفادها تخفيف بوتين مطالبه.. وأهمها:

  • اعتراف أوكرانيا بأن شبه جزيرة القرم جزء من روسيا.
  • تغيير الدستور الأوكراني حتى لا ينضم إلى حلف الناتو والاتحاد الأوروبي.
  • الاعتراف باستقلال الشرق تحت إدارة الانفصاليين.

في المقابل جاءت مطالب أوكرانيا بانسحاب القوات الروسية ووقف إطلاق النار.

رد فعل الغرب على الغزو الروسي

  • إبعاد البنوك الروسية الكبرى عن شبكة تحويل مدفوعات سويفت الدولية.
  • فرض عقوبات على بوتين ووزير الخارجية الروسي.
  • لم توافق ألمانيا على خط أنابيب الغاز نورد ستريم 2 الروسي، وبذلك هددت استثمار روسيا مع الشركات الأوروبية.
  • تم منع شركات الطيران الروسية من المجال الجوي فوق الاتحاد الأوروبي.
  • حظر استيراد النفط والغاز الروسي من قِبل الولايات المتحدة الأمريكية.
  • خفض واردات الغاز إلى الثلثين خلال عام، من قِبل الاتحاد الأوروبي.
  • التخلص التدريجي من النفط الروسي في نهاية العام المنصرم من قِبل بريطانيا.

مع العلم أن أي اتفاقية سلام دخلها بوتين مع أوكرانيا لم تُغير من تلك العقوبات أو تُحجمها.

آثار الأزمة الروسية الأوكرانية على الاقتصاد العالمي

هناك نظرة متفائلة تشير إلى أن العواقب الاقتصادية السيئة ستُرد إلى منطقة الصراع فحسب، دون التأثير على أي منطقة أخرى سلبًا.. باعتبار أن الاقتصاد الروسي ذو تأثير ضعيف على الاقتصاد العالمي.

أما النظرة الأكثر تشاؤمًا فقد رأت تداعيات الأزمة على الاقتصاد العالمي والعربي كبيرة.

  • ارتفاع أسعار الطاقة العالمية.
  • زيادة سعر النفط والغاز.
  • التأثير السلبي على النظام المالي العالمي وأسواق المال.
  • ارتفاع أسعار الحبوب الغذائية.
  • التأثير السلبي على دول العالم الثالث المُستوردة للسلع الاستهلاكية.
  • الآثار السلبية على سلاسل الإمدادات.
  • زيادة معدلات البطالة والفقر والتضخم في الدول النامية.

تطورات الأزمة إلى أن تضع الحرب أوزارها

  • تغيير الخطة العسكرية الروسية الأساسية التي سعت روسيا من خلالها إلى احتلال كييف.
  • اضطرار حلف الناتو بإدارته الأمريكية إلى مراجعة الموقف أمام مطالب روسيا بالضمانات الأمنية.
  • متابعة مدى ترسيخ السيطرة الروسية على المناطق المحتلة في أوكرانيا.
  • استمرار أو إلغاء حظر ليتوانيا على عبور السلع الخاضعة للعقوبات من الاتحاد الأوروبي إلى منطقة “كاليننجراد” الروسية، والتي تُعتبر جيبًا معزولًا عن روسيا، تقع على بحر البلطيق بين دولتي (بولندا، ليتوانيا) المنضمتان في الناتو.

وفقًا لتلك التطورات بإمكاننا تقدير نتائج الحرب وما ستؤول إليه في نهاية المطاف.

اقرأ أيضًا: شهداء السعودية في حرب الكويت

أبرز ما أفضت إليه الحرب الروسية الأوكرانية

وفقًا لتحليل الأزمة الروسية الأوكرانية وُجد أنّ ما يحدث على الساحة الدولية على إثرها هو نقطة أساسية في تغيير النظام العالمي، فها هي الولايات المتحدة الأمريكية تُحاول تكبيد روسيا خسائر فادحة، وتقويض قدرتها ونفوذها بشتى السبل.

كذلك لم يتمكن بوتين من ردع أوكرانيا عن الانضمام إلى الناتو، مما يثير كثير من التساؤلات حول النظام الدولي الجديد.

من أهم ما أفضت إليه تلك الأزمة أن تهديدات الأسلحة النووية ظهرت مرة أخرى بشكل عالمي، مما دفع الكثير من الدول في أوروبا إلى إحداث تغيير في السياسة الدفاعية.

ناهيك عن أن تلك الأزمة أظهرت شق هام، وهو علاقة الحرب بالغذاء، الأمر الذي يُنذر بوجود تفاقم محقق في الأزمة العالمية للأمن الغذائي.

لاسيما وأن تلك العقوبات المفروضة على روسيا جعلها أكثر كراهية للولايات المتحدة الأمريكية وأكثر عداءً لها، فلا شك في تحول تلك الأزمة إلى صراع ذي أمد طويل، بتداعياته المتفاقمة مُستقبلًا.. وفي كل ذلك أوكرانيا هي الخاسر الوحيد.

من وجهة نظر روسية.. إنّ الهدف الغربي هو تقسيم المجتمع الروسي حتى يُدمر في نهاية المطاف كسابقه الاتحاد السوفيتي الذي انفرط عقده.